تعالى ـ عليهم (١) ما ناله من صبر من تقدمهم من السلف.
وكذلك ذكر سحرة فرعون ، وأحسن الثناء عليهم بصبرهم على تعذيب فرعون ، فقالوا : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) [طه : ٧٢] ؛ ليكون ذلك عونا لهم على الصبر بما يلقون من الكفرة من التعذيب ، ثم أكد الأمر بالقسم ؛ لأنه لا كل مسلم يبتلى بتعذيبهم يبلغ يقينه مبلغا لا يعتريه الشك ، ولا يتخالجه شبهة في ذلك ؛ فأكد الأمر بالقسم ؛ لرفع الريب والإشكال.
وقال ـ تعالى ـ : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ، وفي بعض القراءات : (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ، (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا) [آل عمران : ١٤٦] ، فذكّر المؤمنين ما لقي السلف من الكفرة ، وابتلوا بقتل الرسل وثباتهم على الدين ؛ ليستعينوا به على ما يصيبهم في سبيل الله ، ولا ينقلبوا على أعقابهم إذا أخبروا بقتل الرسول.
وفي ذكر هذه الأنباء دلالة أن قول الرسول ـ عليهالسلام ـ لعمار رضي الله عنه : «إن عادوا فعد» حين أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه ، فأجرى وقلبه مطمئن بالإيمان ـ ليس على الأمر به والإيجاب عليه ، والتحصيل بطريق العزم ؛ بل معناه : إن عادوا فلك العود ؛ على سبيل الرخصة ؛ لأنه لو كان على الأمر ، لم يكن في ذكر نبأ أصحاب الأخدود وسحرة فرعون فائدة ، سوى أن يترك العمل بهما ، ومعلوم أن تلك الأنباء إنما ذكرت ؛ ليعمل بها لا ليترك (٢) بها العمل ؛ لذلك حمل قوله : «فعد» على الرخصة ، لا على الأمر به ، ويكون المراد من قوله ـ عليهالسلام ـ أيضا : «من لم يقبل رخصنا كما يقبل عزائمنا فليس منا» ، أي : لم ير العمل به موسعا بل استنكره ، وأبى قبوله ، لا أن يكون فيه أمر بترك العزيمة وإيجاب العمل بالرخصة ، والله أعلم.
ثم نرجع (٣) إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ).
فقال بعضهم : هي البروج المعروفة ، وهي أطراف البناء ، وإذا بني بناء اتخذ على طرفه برج ؛ ليشدد بناؤه به.
ومنهم (٤) من قال : البروج : القصور.
ومنهم (٥) من قال : البروج : النجوم ؛ لقوله : (جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ)
__________________
(١) في ب : لهم.
(٢) في ب : يترك.
(٣) في ب : رجع.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٨٢٦).
(٥) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٦٨٢٨) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٥٢) وهو قول قتادة أيضا.