عليهم أن يؤمنوا بالله ـ تعالى ـ ويشكروه بما خولهم من النعم ، ويدعوا غيرهم إلى الإيمان به ، لا أن يقتلوا ويعذبوا من آمن به.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) العزيز : هو الذي لا وجود له ، أو هو عزيز لا يلحقه ذل ؛ فيكون العز (١) مقابل الذل.
وقال أهل التفسير : العزيز : المنيع ، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء ، وهو الحميد المستوجب للحمد من كل أحد بذاته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ..). [الآية](٢).
ذكر هذا ؛ ليعلم أنه لا يدخل في ملكه قصور بقتل أوليائه وأنصار دينه ؛ لأن الخلق كلهم عبيد لله ـ تعالى ـ وإماؤه ، والسيد إذا قتل بعض مماليكه بعضا (٣) ، لم يلحق السيد بذلك ذل ولا نقص ، وإنما يدخل عليه الذل إذا قتلهم غير مماليكه ، فإذا كان الخلق بأجمعهم عبيدا لله ـ تعالى ـ لم يكن في قتل بعض بعضا نقص يدخل في ملكه.
وقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، أي : يحفظ عليهم أعمالهم ؛ فيجازيهم بها ، لا يعزب عنه شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الفتنة : المحنة ، وهي مأخوذة من فتن الذهب إذا أذابه ؛ لأنه يذيبه ؛ ليميز به بين ما خبث منه وبين ما صفا ، وبين الذهب وبين ما ليس بذهب ؛ فاستعملت في موضع المحنة (٤) ؛ لأن المحنة هي الابتلاء ؛ ليتبين بها الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، وذلك يكون بالأمر والنهي ؛ فسمي الأمر والنهي من الله ـ تعالى ـ امتحانا لهذا ، وإن كان الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء.
ثم وجه فتنتهم : أنهم اتخذوا الأخاديد وأوقدوا فيها النيران ؛ ليلقوا فيها من ثبت على الإيمان ودام عليه ، ويتركوا إلقاء من رجع عن دينه ، فقيل : فتنوا ؛ لهذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) : فيه أنهم لو تابوا لكان يعفى عنهم ، ولا يعاقبون مع عظم (٥) جرمهم بربهم في ذات الله ـ تعالى ـ فيكون فيه إظهار كرمه وعطفه على خلقه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) : منهم من صرف قوله :
__________________
(١) في ب : المعز.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : بغضا.
(٤) في أ : الفتنة.
(٥) في ب : عظيم.