إلى أحد كتابا ، لم يثبت في كتابه شيئا يؤخذ عليه ، ويذم به ، بل يحكم الأمر ، ويصلحه غاية ما يحتمله الوسع ؛ فكان في ذكر الحفاظ (١) على الأنفس إلزام التيقظ والتبصر من الوجوه التي ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حافِظٌ) : قال بعضهم (٢) : يحفظ عليها رزقها حتى تستوفيه (٣) ؛ فإن كان على هذا ، فالحفظ (٤) يكون لها لا عليها.
وقال بعضهم : يحفظ عليها عملها خيرها وشرها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) : الأصل أن إمعان النظر فيما خلق منه الإنسان مما يوصل المنكرين للبعث والمنكرين للرسالة إلى القول بهما ، وذلك أن النطفة التي خلق منها الإنسان لو رئيت موضوعة على طبق ، ثم رام أحد أن يعرف وأن ينتزع منها المعنى الذي به صلح أن ينشأ منها العلقة والمضغة وخلق منها الإنسان ـ لم يدرك ، ولو اجتمع الإنس والجن على أن يركبوا عليها جارحة من جوارح الإنسان ، لم يتهيأ لهم تركيبها ، أو تعرّف المعنى الذي صلح أن ينشأ منه السمع والبصر ، لم يوقفوا عليه ؛ فتبين أن الذي بلغت قدرته هذا لا يخفى عليه أمر ، ولا يعجزه شيء ، وتبين لهم حكمته ، وإذا عرفوا حكمته أداهم ذلك إلى القول بالبعث ؛ لأنه لو لا البعث وإلا كان يخرج إنشاء الخلق عبثا باطلا ؛ فيخرج عن أن يكون حكيما ، ولزمهم أن يصدقوا الرسل بجميع ما أخبرتهم به.
وفيه دلالة خلق الشيء لا من شيء ؛ إذ لا يجوز أن يكون الإنسان بكليته في النطفة مستجنا ، فظهر ؛ لأنه لا يسع في الشيء الواحد ما لا يحصى ذلك من الأضعاف ، ولا يجوز أن يكون ذلك عمل النطفة ـ أيضا ـ لأنها موات ، لا يحتمل أن تصير كذلك إلا بتدبير مدبر عليم ، فيكون فيما ذكرنا إيجاب القول بحدوث (٥) العالم.
ولأنها لو صارت مضغة وعلقة وخلقا سويا بطبعها ، لكانت لا تخلو نطفة إلا وهي تنتقل إلى ما ذكرنا ؛ ألا ترى أن النار لما كان من طبعها الإحراق ، والثلج إذ كان من طبعه التبريد ، لم يجز أن ينتقل واحد منهما عن طبعه الذي أنشئ عليه.
ثم قد وجدنا نطفا تخلو عن هذه المعاني التي ذكرنا ؛ فثبت أنها نقلت إلى ما ذكرنا
__________________
(١) في ب : الحافظ.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٩١٠).
(٣) في أ : تستوفي به.
(٤) في ب : فالحفيظ.
(٥) في ب : يحدث.