يعقب الإنساء (١) ؛ بل قيل له : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ؛ فثبت أنهم كانوا على خوف ووجل عن ارتكاب ما يسلب به الوحي وينسي.
أو يكون الاستثناء راجعا إلى إنساء حكمه ، وهو أن ينسخ حكمه حتى يترك فيصير كالمنسي ؛ كقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، أي : جعلهم كالشيء المنسي بما آيسهم من رحمته ، لا أن يكون هناك حقيقة نسيان ، فكذلك ما نسخ حكمه وترك ، صار كالمنسي ، وإن لم يكن فيه حقيقة نسيان ؛ فيكون النسيان منصرفا إلى حكم التلاوة ، لا إلى عينها.
أو يكون ـ عليهالسلام ـ يذهب خاطره عن [بعض ما يوحى إليه ؛ إذا اشتغل فكره في أشياء أخر ؛ فيصير الذي ذهب عن](٢) وهمه كأنه نسيه وإن كان يعود ذلك إليه عند إحضاره (٣) ذهنه ، كما ترى المرء في الشاهد يذهب عن وهمه جميع ما في فاتحة الكتاب من الحروف إذا أعمل رؤيته في أشياء أخر ؛ حتى يصير كالناسي لها وإن كان يعود إلى تذكرها إذا رام أن يقرأها.
فعلى هذه التأويلات يستقيم أن يوجه إليه الاستثناء ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) ، أي : ما يجهر بعض لبعض من الخلائق ، أو ما يسر بعض عن بعض.
أو يعلم ما تطلع عليه الملائكة من أعمالهم ، ويعلم ما يعزب (٤) عنهم ، فعلمه فيما أسر العبد كعلمه فيما أظهر وجهر به ؛ فذكرهم هذا ؛ ليكونوا متيقظين ؛ فلا يخافون ، ولا يجهرون إلا بالذى يحق عليهم ؛ إذ الله ـ تعالى ـ حفيظ عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) قالوا : ونيسرك للخير ولعمل (٥) أهل الجنة ، فسميت أعمال الخير : يسرى ؛ لأنها تعقب ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) : ظاهر هذا يقتضي ألا يذكر إلا من نفعته الذكرى ، ولكن (٦) تخصيص الحكم في حال بوصف لا يوجب قطع ذلك الحكم فيما
__________________
(١) في ب : الإنشاء.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : احتضاره.
(٤) في ب : يعرف.
(٥) في ب : وبعمل.
(٦) في ب : وقال.