كان الحال بخلاف ذلك الوصف ؛ بل يلزمه أن يذكر من نفعه ومن لا ينفعه ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) الآية [الغاشية : ٢١] ، أمر بالتذكير (١) على الإطلاق (٢).
ثم قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن ذكر فقد نفعت الذكرى ، وهو كقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٨] ، ومعناه : قد كان وعد ربنا مفعولا.
وقد نفعت الذكرى ؛ لأنه بتذكيره أسلم من أسلم منهم ، وبه فازوا ، وبه نالوا الدرجات العلى ، وقال تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥].
أو يكون قوله ـ عزوجل ـ : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) فسيأتي على أقوام [حالة] لا تنفعهم الذكرى لديها ، وتلك حالة المعاينة لبأس الله وعذابه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) ، أي : يتعظ بها من يخشى الله تعالى أو المعاد ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [الأنعام : ٩٢] ، أي : بالقرآن ، وذلك أن الذي يحملهم على الإيمان بالآخرة إيمانهم بهذا الكتاب ؛ لأن في القرآن تذكيرا (٣) للآخرة ، وأمرا بالاستعداد لها ؛ فلذلك خشيته تحمله على الاتعاظ بالذكرى والانتفاع بها ، والخشية هي الخوف اللازم في القلوب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) : أضاف التجنب (٤) هاهنا إلى الأشقى ، وهو الشقي ، وفيما ذكر الأتقى أضاف التجنب (٥) إلى نفسه بقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل : ١٧ ، ١٨] ؛ فيكون في هذا دلالة الإذن بإضافة الخيرات إلى الله ـ تعالى ـ وفي الأول دلالة منع إضافة الشرور إليه ؛ وهذا لأن إضافة الخيرات إلى الله تعالى تخرج مخرج الشكر له ، وهو حقيق بأن تشكر نعمه ، وليس في إضافة الشرور إلى آخر شكر له ؛ فلم يصح (٦) أن تضاف إليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) ، أي : لا تنقضي عنه أفعال الموت ، وهي آلامها وأوجاعها ، [بل] يبقى في آلامها أبدا ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ
__________________
(١) في ب : بالتذكر.
(٢) في ب : إطلاق.
(٣) في ب : تذكرا.
(٤) في ب : التجنيب.
(٥) في ب : التجنيب.
(٦) في ب : يصلح.