وقوله ـ عزوجل ـ : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ، قال بعضهم (١) : بمسلط.
وقال بعضهم (٢) : لست بجبار.
فإن أريد به الوجه الأول فهو مما يحتمله ، ويجوز أن يسلط عليهم في أن يؤذن بقتالهم ، وأسرهم وقهرهم ببذل الجزية ؛ ولهذا قيل : إن هذا كان قبل نزول سورة براءة.
وإن (٣) كان تأويله : لست بجبار عليهم ؛ على ما روي عن مجاهد (٤) ؛ فهذا الوجه مما لا يرد عليه النسخ ، ولا يجوز أن يصير جبارا عليهم ، ولا يكون قوله : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) استثناء ، ويكون معناه : لكن من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ، أي : من أعرض عن طاعة الله تعالى وكفر بوحدانية الله تعالى وبكتبه ورسله ، [فيعذبه الله العذاب](٥) الأكبر.
وعلى التأويل الذي قيل : إن المسيطر هو المسلط بالسيف والأسر والقهر بالجزية التي هي صغار عليهم ـ يكون قوله تعالى : (تَوَلَّى وَكَفَرَ) على الاستثناء ، أي : من أعرض عن طاعة الله تعالى ، وكفر بوحدانية الله فسيسلط عليهم بالسيف ، والأسر ، وأخذ الجزية.
وقيل : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) ، أي : أعرض ، ولزم الإعراض ؛ فيكون مسيطرا عليهم.
أو تولى وقت التذكير فسينتصر عليه ، وبالله النجاة.
وفي هذه الآية بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالظفر على الذين تولوا عن طاعة الله تعالى وكفروا به.
وفيه آية رسالته ؛ لأنه قال هذا في وقت ضعفه ، وقلة أنصاره ، وكان الأمر كما قال ؛ إذ نصره الله ـ تعالى ـ بالرعب مسيرة شهرين ، وفتحت له الفتوح ؛ ليعلم أنه بالله ـ تعالى ـ علم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) ، أي : مرجعهم.
وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ، أي : من الحكمة أن نحاسبهم ، وإذا كانت الحكمة توجب حسابهم وتعذيبهم ، كان عليه أن يحاسبهم لما في تركه ترك الحكمة ، وفي تركها سفه ، تعالى الله عن ذلك ، وبالله النجاة ، ومنه التوفيق.
__________________
(١) قاله الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٧٥) وهو قول ابن زيد أيضا.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٧٠٤٧) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٧٥).
(٣) في ب : فإن.
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٧٠٤٩) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٧٥).
(٥) في ب : فيتعذب العذاب.