زينت بالمياه والأشجار الملتفة من وجه لو تفكر فيه الخلائق (١) فاستفرغوا مجهودهم ؛ ليعلموا (٢) من أي موضع يجتمع الماء؟ وكيف ينبع؟ وكيف تنبت الأشجار من بين الأحجار ـ لم يصلوا إلى معرفته ؛ فيعلموا أن علمه ليس بالذى يحاط به ، فيكون في ذكر هذا إنباء أنه لا يخفى عليه أمر ، ولا يعجزه شيء ، بل العالم كله تحت تدبيره يفعل بهم ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وأن الذي قدر على خلق هذا لقادر (٣) على إحيائهم وبعثهم للجزاء.
وفي خلق هذه الأشياء ما يدعوهم إلى الوحدانية ؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء ؛ فالقطر ينزل من السماء إلى الأرض الغبراء (٤) المتهشمة ؛ فينبت لهم من ألوان النبات رزقا لهم ولأنعامهم ، فلو كان مدبر السماء غير مدبر الأرض ، لكان يمنع منافع السماء عن خلق مدبر الأرض ، فلو تفكروا فيها ، لكان يزول عنهم الإشكال ؛ فلا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقولون : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥].
وقولنا : إن فيه إثبات الرسالة ، وذلك أنهم بما أنعموا من النعم التي ذكرناها لا بد (٥) أن يستأدي منهم الشكر ، ولا يعرف شكر كل شيء على الإشارة إليه بم يكون؟ فلا بد من رسول يطلعهم على ذلك.
فإن قيل : كيف أمروا بالنظر في كيفية خلق هذه الأشياء ، وهم لو نظروا آخر الأبد ؛ ليعرفوا كيف خلقت هذه الأشياء ، لم يهتدوا إلى ذلك الوجه؟
فجوابه : أنهم لو تداركوا ذلك الوجه وفهموه ، لكان النظر فيها لا يرفع عنهم الإشكال ؛ إذ يقدرونه بأفعال الخلق التي يهتدى إليها ؛ فارتفاع التدارك ، وخروجه عن أوهامهم هو الذي يوضح لهم المشكل ، ويزيل عنهم الشبه ؛ إذ به عرفوا أنه حاصل بقدرة من لا تقدر قوته بقدرتهم ، وأنه خلافهم من جميع الوجوه ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) : في هذه الآية ـ والله أعلم ـ أمر من الله تعالى لرسوله عليهالسلام ألا يجازيهم بصنيعهم إذا استقبلوه بما يكره من أذى يوجد منهم واستخفاف يجيء منهم ؛ فيقول : ذكرهم بالله تعالى ، وذكرهم عظيم نعمه وذكرهم كيف هلك مكذبو الرسل ، وكيف نجا من صدقهم وعظم أمرهم ولا تقهرهم ، ولا تجازهم بصنيعهم ، وكل ذلك إلى الله تعالى.
__________________
(١) في ب : الخلق.
(٢) في ب : لعلموا.
(٣) في ب : القادر.
(٤) في أ : الغير.
(٥) زاد في ب : من.