ما يرثون من أنصبائهم ، فيأكلونه جميعا.
وقال بعضهم (١) : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) ؛ ، أي : شديدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) قال أبو بكر : أي : تحبونه حبا وفيا وافرا ليس فيه قصور ؛ فيكون فيه إخبار عن غاية حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها.
وجائز أن يكون على التقديم والتأخير ، وهو أنهم يحبون المال الجم حبا ؛ أي : المال الكثير.
وقوله : (كَلَّا) ؛ ردع وتنبيه :
فمنهم من رد هذا الردع إلى قوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) ، و (رَبِّي أَهانَنِ) ، فكأنه يقول : كلا ليست هذه الدار دار جزاء ؛ فيكون الإهانة والإكرام بحق الجزاء ، وإنما هي دار محنة وابتلاء.
ومنهم من حمله على الابتداء ، فقال : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) بمعنى حقا ، يخبر عن ندمه في [تركه الإكرام لليتيم](٢) ، وترك إطعام المسكين والحض عليه : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي : دقت وكسرت ، وذلك يوم الحساب والبعث.
وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) يحتمل أوجها :
أحدها : أن يكون معناه : وجاء ربك بالملك ؛ إذ يجوز أن تستعمل الواو مكان الباء ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) [المائدة : ٢٤] ، ومعناه : بربك ، وإذا حمل على هذا ارتفعت الشبهة ، واتضح الأمر ؛ لأنه لو كان قال : وجاء ربك بالملك ، لكان لا ينصرف وهم أحد إلى الانتقال من مكان إلى مكان ، وقال ـ تعالى ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة : ٢١٠] ، ومعناه ـ والله أعلم ـ : بظلل من الغمام ؛ لأنه قال في موضع آخر : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] ؛ فثبت أن معناه ما ذكرنا وإذا ثبت هذا ارتفع الريب والإشكال.
ومنهم من ذكر أن معنى قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) [البقرة : ٢١٠] ، أي : أمر الله ؛ دليله ما ذكر في سورة النحل قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النحل : ٣٣] ، فذكر مكان قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) : (أَمْرُ رَبِّكَ).
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٧١٧٠) وهو قول قتادة والضحاك أيضا.
(٢) في ب : ترك إكرام اليتيم.