ويحتمل أن يكون قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) ، أي : جاء وعده ووعيده ، فنسب المجيء إلى الله تعالى ، وإن لم يكن ذلك وصفا له ؛ لأنه (١) يجوز أن تنسب آثار الأفعال إلى الله ـ تعالى ـ نسبة حقيقة الفعل وإن لم يوصف به ، كما قال الله ـ تعالى ـ : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] فأضيف النفخ إليه وإن لم يوصف بأنه نافخ ، وقال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] ، فأضيفت الكتابة إليه وإن لم يوصف بأنه كاتب ؛ لما أن ما ظهر من آثار فعله ، ويقال : المطر رحمة الله ؛ أي : من آثار رحمته ، لا أن يكون المطر صفة له ، ويقال : الصلاة أمر الله ، والزكاة أمر الله ، أي : بأمر الله نصلي ، وبأمره نزكي ، لا أن يكونا وصفين له.
ووجه آخر : أن يكون معنى قوله ـ تعالى ـ : (وَجاءَ رَبُّكَ) ، أي : جاء الوقت الذي به صار إنشاء هذا العالم حكمة ؛ إذ لو لا البعث للجزاء ، لكان إنشاء هذا العالم ثم الإهلاك خارجا مخرج العبث ؛ لما وصفناه من قبل ؛ لقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] ؛ فثبت أن خلقه إنما صار حكمة بالبعث ، وقال [الله](٢) تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] وقد كان الملك له قبل ذلك اليوم ، ولكن ملكه لكل أحد يتبين في ذلك الوقت ، وقال : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] وقد كان كل شيء له بارزا ، ولكن معناه : أنه أتى الوقت الذي له برز الخلائق.
ثم الأصل في كل ما أضيف إلى الله ـ تعالى ـ أن ينظر إلى ما يليق أن يوصل بالمضاف إليه ، فتصله به وتجعله مضمرا فيه ، قال الله ـ تعالى ـ : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] ، ولم يفهم إثبات الحضور ، وكان معناه : أن علمه محيط بهم ، وهو مطلع عليهم.
وقال (٣) : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) [الحشر : ٢] [و] لم يفهم به الانتقال ؛ بل كان معناه : أنه جاءهم بأسه ، وجاء لأوليائه نصره.
وقال : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦] ، ولم يفهم بهذا الإتيان ما فهم من الإتيان الذي يضاف إلى الخلق.
__________________
(١) زاد في أ : لا.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : فقال.