وقال [الله](١) تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، وكان معناه : إن تنصروا دين الله ؛ لا أن الله ـ تعالى ـ يلحقه ضعف يحتاج إلى من يقويه.
وقال [الله](٢) تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] ، وكان معناه : أنه يحذركم عذابه ؛ لا أن أريد به تحقيق النفس.
ومثل هذا في القرآن أكثر (٣) من أن يحصى ؛ فثبت أن محل الإضافات ما ذكرنا ؛ فلذلك حمل على الوعد والوعيد ، أو على الوقت الذي به صار خلق العالم حكمة ، أو على ما صلح فيه من الإضمار.
ومما يدل على أنه لا يفهم بالمجيء معنى واحد ، بل يقتضي معاني : أن المجيء إذا أضيف إلى الأعراض ، فهم به غير الذي يفهم به إذا أضيف إلى الأجسام ؛ فإنه إذا أضيف إلى الأعراض أريد به الظهور ؛ قال الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [الفتح : ١] ، ومعناه : إذا ظهر نصره ، ولم يرد به الانتقال ، ولو كان مضافا إلى الجسم ، فهم منه الانتقال من موضع إلى موضع.
وقال الله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] ، ومعناه : ظهر الحق ، واضمحل الباطل ، لا أن يكون الحق في مكان ، فنقل عنه إلى غيره ؛ فثبت أن المجيء إذا أضيف إلى شيء وجب أن يوصل به ما يليق به ؛ لا أن يفهم به كله معنى واحد.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال ـ حكاية عن الله تعالى ـ : «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلى ذراعا ، تقربت إليه باعا ، ومن أتاني ساعيا أتيته هرولة» ولم يفهم من هذا التقرب (٤) ما يفهم منه إذا أضيف إلى الخلق ، وكان معناه : من تقرب إلي بالطاعة والعبادة تقربت إليه بالتوفيق والنصر أو بالإحسان والإنعام.
وقال موسى ـ عليهالسلام ـ : «يا رب أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟!» ، ولم يرد به المكان ؛ وإنما أراد بقوله : أراض أنت عني فأناجيك ، أو ساخط على فأناديك في أن أعلن بالبكاء والتضرع؟!
ثم الأصل في المجيء المضاف إلى الله ـ تعالى ـ أن يتوقف فيه ، ولا يقطع الحكم على شيء ؛ لما ذكرنا أن المجيء ليس يراد به وجه واحد ؛ لأنه إذا أضيف إلى الأعراض
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : كثير.
(٤) في ب : التقريب.