قال : فإن كان تأويل قوله ـ عزوجل ـ (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) هو الرغبة فيها أو الندامة على ما سبق منه ؛ فإنه دلالة على إبطال قول المعتزلة ؛ لأن الرغبة والندامة جميعا من فعل العباد ، والله تعالى قد أضاف ذلك إلى نفسه بقوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ، وإذا كان كذلك ، ثبت أن لله تعالى في إحداث أفعال (١) العباد صنعا وتدبيرا ، والله أعلم.
وقال أصحاب الشافعى : إن قوله (فَطَلِّقُوهُنَ) يدل على تعليم الوقت في الطلاق دون العدد ، فله أن يطلقها في الوقت أي عدد كان ، ولا يستقيم ذلك ؛ لأن التأويل إنما يستقيم على أحد وجهين : إما [على ما](٢) جرى به التفاهم في العادات بين العباد ، وإما على ما جرى به التفاهم في حق الحكمة ، وليس يفهم من قوله : (فَطَلِّقُوهُنَ) العدد الثلاث على واحد من الوجهين اللذين وصفناهما (٣) ؛ ألا ترى أن من قال لآخر : طلق امرأتي ، لم يجز أن يطلقها ثلاثا إلا أن يكون نوى ثلاثا ؛ فثبت أنه لا يفهم به في [عبارته لفظ](٤) الثلاث.
وأما وجه الحكمة ؛ فلما ذكرنا : أن الطلاق ليس مما يتقرب به رغبة (٥) في الاستكثار منه زيادة في القربة ، ولا مما يستمتع فيستكثر منه زيادة في الانتفاع ، وإنما المراد منه التأديب و (٦) المخلص ، وما كان مخرجه هذا المخرج ، كان في حد الرخصة وما خرج مخرج الرخص ، لم يعتد به عما وقعت به الرخصة ، وإذا ثبت ما وصفنا ، ثبت أنه لا يجوز الفهم من قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) الثلاث ، والتعليم في العدد أليق به من الوقت ؛ لأنه لا ضرر يلحقه في تعديه عن الوقت المجعول له فيه الطلاق ، ولا شك أنه يلحقه الضرر في تعديه في العدد والزيادة منه ، والله أعلم.
ومما يدل على أن المراد من قوله (فَطَلِّقُوهُنَ) ليس عدد الثلاث قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، ولا شك أنه إذا أوقع عليها ثلاثا ، لم يملك إمساكها ، ومعلوم أن قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق المتقدم من قوله : (فَطَلِّقُوهُنَ) ، ولو كان المراد عدد الثلاث ، لم يكن لقوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَ) معنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، فيه فوائد
__________________
(١) في ب : فعل.
(٢) في أ : عليها.
(٣) في أ : وضعناهما.
(٤) في ب : عادة اللفظ.
(٥) في ب : فرغب.
(٦) في ب : أو.