فمن قرأ مبينة بالخفض فمعناه : أن نفس الفاحشة إذا تفكر فيها المرء ، ونظر تبين له : أنها فاحشة.
ومن قرأ مبينة بالفتح ، عني به : أنها مبينة بالبراهين والحجج.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ).
الحدود : الموانع والنواهي ، لا يحل مجاوزتها ، ومن ذلك سمي الحداد : حدادا ؛ لأنه يمنع تحديده (١) كل أنواع أمتعته (٢) أن تجاوز حدها الذي جعل لها ، والحد في الحقيقة هو : النهاية التي ينتهى إليها فلا يجاوز ، وإذا كان كذلك كان الخيار إلى صاحب التأويل : فإن شاء حمله على الحد بين الطاعة والمعصية [أو بين](٣) الحلال والحرام ؛ حيث ذكر في هذه الآية أنواعا من النهي ؛ فسمي ذلك كله : حدودا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
أي : ضر نفسه ، ويجوز أن يكون المعنى منه ، أي : إن جاوز هذا الحد الذي جعله لله تعالى ، فقد وضع نفسه مكانا لم يضعه فيه ربه ، والظلم في الحقيقة وضع الشيء في غير موضعه.
والتأويل الآخر : أن (٤) من جاوز موانع الله ونواهيه ، فقد ظلم نفسه ؛ دل هذا على أن منافع هذه النواهي ومضارها لا ترجع إلى الله ، بل ترجع نفس الممتحنين (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
أي : لا يطلق ؛ فإنه إذا طلق لا يدرى لعل الله يحدث بعد ذلك ندامة على ما سبق من فعله أو رغبة فيها ؛ فيكون فيه دلالة النهي عن نفس الطلاق ، وقد بينا كراهة نفس الطلاق في الحكمة في أنه ليس من نوع ما يتقرب به ؛ فيكون فيه [الزيادة في القربة](٦) ولا مما يستمتع به فيكون فيه زيادة في الاستمتاع ، بل المقصود منه التأديب والمخلص ، وفي الواحدة كفاية عما (٧) زاد عليها ؛ فكان في هذه الآية دلالة النهي عن نفس الطلاق ، وعن الزيادة على الواحدة والله أعلم.
__________________
(١) في ب : بحديدة.
(٢) في أ : فيه.
(٣) في ب : أو ما بين.
(٤) في ب : أي.
(٥) في أ : رجع نفس الممتحن.
(٦) في ب : زيادة في القرابة.
(٧) في ب : فيما.