لوجود السكنى.
وبعد : فإن الحنث أقرب في البيت ؛ لأن الله تعالى أضاف البيوت إليهن في كتابه وإن كن هن فيها بإعارة ولم يوجد في السكنى ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
و (مُبَيِّنَةٍ) قرئا جميعا : فمنهم من حمل الاستثناء [بقوله : (إِلَّا)](١) على قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) ، وصرفه إليه.
ومنهم من صرفه إلى قوله : (وَلا يَخْرُجْنَ) ولكل من ذلك وجهان :
فأما من حمله على قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَ) فإنه جعله استثناء ، وللاستثناء وجهان :
أحدهما : لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أي : بزنى يزنين ، فتخرجوهن ؛ لإقامة الحد عليهن.
أو لا تخرجوهن إلا أن يظهر منهن بذاءة اللسان على أهل أزواجهن فتخرجوهن ؛ لمكان البذاءة التي في لسانهن.
ومن حمله على قوله : (وَلا يَخْرُجْنَ) ؛ فإنه يجعل معنى قوله : (إِلَّا) على معنى : لكن ؛ كما قيل في قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] ، أي : لا يسمعون فيها لغوا ، ولكن سلاما ، إذ لا يحتمل استثناء السلام من اللغو ؛ لما ليس في جملة اللغو سلام ؛ فيستثنى منه فكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) فكأنه قال : لا يخرجن ، ولكن إذا خرجن فخروجهن فاحشة ، ويدل هذا على أن النهي لنفس الخروج ، لا للانتقال.
ووجه آخر في ذلك ، وهو : ألا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة ، فإنهن إذا خرجن ، خشي عليهن أن يأتين بفاحشة مبينة كما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (٢) ، وكان المعنى من ذلك : أنه إذا تزوج فوطئ فهو عاهر ، ولكن نهي عن النكاح ؛ لأنه يخشى عليه في النكاح أن يطأها فيصير عاهرا ، لا أن يكون نفس التزوج منه زنى ، فكذلك (وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) فيكون النهي لا عن نفس الخروج ، ولكن لكونه سببا للفاحشة في الجملة ، وطريقا إليها.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (مُبَيِّنَةٍ).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه الترمذي (٢ / ٤٠٤) أبواب النكاح ، باب : ما جاء في نكاح العبد (١١١١) و (١١١٢) وأبو داود (١ / ٦٣٣) كتاب النكاح ، باب : في نكاح العبد (٢٠٧٨) من حديث جابر بن عبد الله ، وقال الترمذي : حديث حسن.