أحدهما : على تحقيق العقبة ، وهو أن يكون في النار عقبة لا تجاوز ولا تقطع إلا بما ذكر من فك الرقبة والإطعام في يوم ذي مسغبة ، كقوله ـ تعالى ـ : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) على تحقيق العقبة ، معناه : وما يدريك بم تقطع تلك العقبة؟ ثم بين أنها تقطع بما ذكر من فك الرقبة ونحوه.
وجائز أن يكون على التمثيل لا على التحقق ، ووجهه : أنه يشتد عليه تحمل المؤن التي ذكر من فك الرقبة ، وإطعام المساكين ، ومواساة اليتيم ؛ فتكون العقبة كناية عن تحمل المؤن ، لا على العقبة نفسها ، وهو كقوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام : ١٢٥] ، أي : يصير الإيمان عليه في الشدة والثقل كأنه كلف الصعود إلى السماء ، ويشتد على الأول تحمل المؤن ، كما يشتد عليه قطع العقبة والصعود عليها.
والاقتحام : هو رمي النفس في المهالك.
وقيل : الاقتحام : هو تحمل المؤن :
فإن كان على تحمل المؤن ، فوجهه ما ذكرنا : أن كيف لم يتحمل هذه المؤن ؛ ليصير من أهل الميمنة؟
وإن كان على الرمي في المهالك ؛ فكأنه يقول : قد أهلك نفسه بتركه الإنفاق (١) في الوجوه التي ذكر ، والإعراض عن الإيمان بالله تعالى ، بتركه فكاك الرقبة.
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره خبرا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله ، دلني على عمل أدخل به الجنة ؛ فأمره بعتق النسمة ، وفك الرقبة ؛ فقال السائل : أليسا (٢) هما واحدا؟ فقال [النبي صلىاللهعليهوسلم](٣) : «لا ؛ عتق النسمة : أن تعتقها ، وفك الرقبة : أن تعين على فكاكها» (٤).
ففكاك الرقبة : أن تخلصها من وجوه المهالك ، وذلك يكون بالتخليص عن ذل الرق ، وأن ترى إنسانا يهم بقتل آخر بغير حق ؛ فتدفع عن المظلوم شر الظالم ، وتراه يغرق ؛
__________________
(١) في أ : الإنصاف.
(٢) في ب : أليستا.
(٣) في ب : عليهالسلام.
(٤) أخرجه أحمد ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي من حديث البراء كما في الدر المنثور (٦ / ٥٩٧).