فتخلصه عن ذلك ؛ فيكون في ذلك كله فكاك الرقبة عن المهالك ؛ لتكتسب (١) بها الحياة الطيبة في الآخرة.
واختلف القراء في هذا الحرف :
فمنهم من قرأه (٢) : فك رقبة أو أطعم (٣) في يوم ذي مسغبة على النصب.
ومنهم من قرأه (٤) : فك رقبة* أو أطعم على الرفع.
فإذا قرأته بالنصب ، فمعناه : هلا فك رقبة ، أو أطعم ؛ فيكون راجعا إلى تفسير الاقتحام.
وإذا قرأته بالرفع ، انصرف التأويل إلى تفسير العقبة ؛ فكأنه قال : قطع العقبة يكون بالفك وبما ذكر.
وذكر عن سفيان بن عيينة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : كل ما في القرآن : (وَما أَدْراكَ) ، فقد أعلمه ودرّاه ، وكل ما فيه (وَما يُدْرِيكَ) [الأحزاب : ٦٣] فهو لم يعلمه ، والله أعلم.
والمسغبة : المجاعة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذا مَقْرَبَةٍ) :
أي : ذا قرابة منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذا مَتْرَبَةٍ) :
أي : ألصق بطنه بالتراب.
وقيل (٥) : الذي ليس له شيء يحجبه عن التراب.
ثم في قوله : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) دلالة وجوب حق اليتيم على القريب إذا كان محتاجا ؛ فيكون فيه حجة لقول أصحابنا : إن اليتيم إذا كان محتاجا ، فرضت نفقته على أقربائه.
وفي قوله : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) دلالة أن المسكين الذي وصفه ، وهو ألا يكون بينه وبين التراب حائل ، فكفايته تلزم الخلق جملة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) :
فتأويله أنه لا ينفعه فك الرقبة ولا الإطعام ؛ حتى يكون مؤمنا مع ذلك ، متواصيا بالصبر
__________________
(١) في ب : لكسب.
(٢) في ب : قرأ.
(٣) في ب : قرأ.
(٤) في أ : إطعام.
(٥) قاله ابن عباس أخرجه الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير (٣٧٣٣٤ ، ٣٧٣٣٩ ، ٣٧٣٤٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٩٧ ، ٥٩٨).