فأقسم الله ـ تعالى ـ بها ؛ ليزيل عن الكفرة الشبهة التي تعرض لهم في أمر الدين ؛ إما في التوحيد ، أو في الرسالة ، أو في البعث ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) :
جائز أن يتلوها في كل ما ذكرنا في الشمس من المنافع والمعاني ؛ فيكون ثانيها في العمل ، فإنه يقع به صلاح الأغذية أيضا ، وهو ينير أيضا إلا أنه لا ينتهي منتهاها ولا يبلغ مبلغها ، والله أعلم.
وقال بعضهم (١) : إذا تلاها ، أي : يتلوها في أول ما يهل ؛ فإنه إذا وجبت الشمس في آخر اليوم من الشهر تلا غروبها طلوع الهلال.
وقال بعضهم : إنه يتلوها إذا صار بدرا ، وفي هذا دلالة أن منشئهما واحد ؛ لأن منافعهما تعم الخلق جميعا ، ولو لم يكن مدبرهما واحدا ، لكانت لا تعم ، بل يمنع كل واحد منهما منشأه عن إيصال النفع إلى قوم عدوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) :
يحتمل أوجها :
يحتمل أن يكون النهار جلى الدنيا.
ويحتمل أن يكون جلى الأرض (٢).
ويحتمل أن يكون جلى الشمس.
ويحتمل أن تكون تجلى الأبصار بنورها عن ظلمة الليل التي يغشاها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) :
ينصرف إلى الأوجه التي ذكرنا أيضا ، أي : يغشى الدنيا ، أو الأرض ، أو الشمس ، أو يغشى الأبصار بظلمتها عن الخلائق ، والله أعلم.
ثم لليل والنهار زيادة سلطان ليست للشمس ولا للقمر ؛ لأن من سلطان الليل والنهار أنهما يفنيان الآجال ، ويقطعان الأعمال ، ولا يتهيأ لأحد الامتناع والتحرز (٣) من سلطانهما ، ويتهيأ للخلق دفع أذى الشمس والقمر عن أنفسهم بالحيل والأسباب ؛ فكان في ذكر الليل والنهار زيادة معنى ليس ذلك في ذكر الشمس والقمر.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٧٣٦٢ ، ٣٧٣٦٣) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠١).
(٢) في ب : بالأرض.
(٣) في ب : التحذير.