إنباء أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم ، أو بحجة كانت لهم ، بل كذبوه (١) عن عناد منهم ، وتيقن منهم برسالته ، وذلك أن حجة نبيهم صالح ـ عليهالسلام ـ جاوزت الحجج ؛ لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم ، وعلى تعد منهم في السؤال ؛ إذ كان لهم أن يطالبوه بالحجة على دعوى الرسالة ، ولم يكن لهم أن ينصوا السؤال على شيء يشيرون إليه ، فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه.
ثم من حكمة الله ـ تعالى ـ أن الحجة إذا كانت على أثر السؤال ، ثم ظهر التكذيب من السائلين هو الاستئصال في الدنيا ، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب ؛ فعوقبوا بالاستئصال ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الإسراء : ٥٩] ؛ فيبين الله ـ تعالى ـ المعنى الذي [لأجله] لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو أنهم لو أوتوا ، ثم عندوا ، استؤصلوا ؛ فقد أراد الله ـ تعالى ـ إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين ، وهي القتال ، ووجه الرحمة فيه : أنهم كانوا يمتنعون عن اتباعه ؛ لحب الدنيا وشهواتها ؛ فكان يمنعهم ذلك عن النظر في حججه وآيات رسالته ؛ فكان في الجهاد ما يضيق عليهم المعاش ، ويضطرهم إلى النظر في الحجج ؛ فيحملهم ذلك على تصديقه والإيمان به ؛ فثبت أن في القتال رحمة عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها).
أي : قام أشقاها ، وصار أشقاها بما أحدث من الكفر بعقر الناقة.
وروي عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي ـ رضي الله عنه ـ : «ألا أخبرك بأشقى الناس ، رجلين؟» قال : بلى ، يا رسول الله. فقال : «أحيمر ثمود ، عاقر الناقة ، والذي يضرب على هذه ـ وأشار إلى هامته ـ حتى يبتل منها هذه ، وأشار إلى لحيته» (٢) فصار عاقر الناقة أشقى الناس بما ذكرنا.
وجائز أن يكون قاتل علي ، صار أشقى الناس ؛ لأنه استحل قتله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) :
فهو يحتمل وجهين :
__________________
(١) في أ : يكذبوه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبغوي ، وأبو نعيم في الدلائل كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٢).