أخبر أنه يجنب النار عن الأتقى ويقيه عنها.
ثم فيه دلالة أنه إنما يجنبها ويقيها بالأعمال التي يعملها ؛ فدل أن لله ـ تعالى ـ في أفعالهم صنعا (١) ، حيث أضاف الوقاية إليه والتجنب عنها ، وهو كقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة : ٢٠١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).
أي : ما لأحد عند الله تعالى من نعمة يجزى بها ولا بد [أن] يستحق الثواب بها ، لكن إذا أدى نعمة من نعم الله ـ تعالى ـ التي أعطاها إياه لغيره ؛ ابتغاء وجهه ، وطلب رضاه ـ يجزيه بفضله ؛ كأنه كانت له عنده نعمة يجزى بها.
والثاني : يحتمل أن هذا صلة قوله : (يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) ، أي : يتصدق ويتزكى ؛ لابتغاء وجه الله ـ تعالى ـ على من ليس عنده نعمة ويد يجازيه بها وينفق عليه جزاء لصنيع قد سبق منه في حقه ؛ كأنه يقول : لا يعطي الزكاة أحدا عن مجازاة [لما] سبق منه إليه من نعمة ؛ إنما أعطاها له لا مجازاة ، ولكن لله تعالى خالصا.
وفيه دليل ألا يعطي الرجل زكاة ماله من عنده له نعمة أو منة ؛ لأنه (٢) يخرج ذلك مخرج الإعطاء ببدل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) ، أي : يرضى بالذي يجزى به ، ويساق إليه من الثواب. وحرف ال «سوف» وال «عسى» من الله تعالى واجب ؛ كأنه يقول : يعطيه حتى يرضى.
وقال بعضهم : نزلت هذه الآية ـ وهي قوله عزوجل : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) ـ في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه (٣).
وقال بعضهم : هذه الآية نزلت في أبي الدحداح ـ رضي الله عنه ـ طلب النبي صلىاللهعليهوسلم منه نخلة ـ إلى آخر القصة.
وقال بعض أهل الأدب : تردى في النار ، أي : سقط ، ويقال : تردى : تفعل ، من الردى ، وهو الهلاك ، [و] (إِذا تَجَلَّى) [الليل : ٢] : إذا بدا ، واليسرى من التيسير ، والعسرى من التعسير ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : صنيعا.
(٢) في ب : لا.
(٣) أخرجه البزار ، وابن جرير (٣٧٤٩٠) ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن عدي ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٧).