وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى).
قالت المعتزلة : هذا ليس على حقيقة التكذيب ؛ ولكن على التقصير والتفريط في أمر الله تعالى ، والوقوع في مناهيه (١) ؛ فيصرفون الآية إلى أصحاب الكبائر بارتكابهم (٢) الكبيرة يصيرون مكذبين ومتولين ؛ لأنهم في ابتداء اعتقادهم التوحيد والإيمان اعتقدوا وفاء كل ما وقع به الأمر ، ووفاء كل ما يليق به ، والانتهاء عن جميع ما لا يليق به ، فإذا ترك ذلك صار مكذبا لما اعتقد في الأصل وفاء ذلك.
لكن عندنا لا يصير بترك الوفاء مكذبا ؛ لكن يصير مخالفا لما وعد واعتقد.
واستدلت المرجئة الذين لا يرون العذاب إلا لأهل الشرك والكفر بهذه الآية يقولون : إنه لا يصلاها إلا الذي كذب وتولى ، والمسلم وإن ارتكب الكبيرة أو الصغيرة فهو ليس بمكذب ولا متولّ.
ولكن تأويل الآية (٣) عندنا في الكفرة ، ليست في أهل التوحيد والإيمان.
ثم يحتمل قوله : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) في باب ودرك دون درك وباب ، فإن لكل فريق دركا ، قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥] ، وهذا كما قال : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) [الغاشية : ٦] ، وقال في آية أخرى : (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة : ٣٦] ؛ فيكون الضريع الذي ذكر في باب ودرك منها ، والغسلين في باب آخر ، فجائز على هذا ألا يصلى ذلك الدرك إلا الأشقى. فأما يجوز أن يكون لصاحب الكبيرة درك خاص.
وأما ما ذكروا أن أصحاب الكبائر قد أوعدوا وخوفوا بمواعيد شديدة ، فلسنا ننكر المواعيد لهم ، وأنهم يعذبون ، ولكن نقول : لا يكونون في الدركات التي فيها الكفار إن أدخلوا في النار.
وجائز ـ أيضا ـ أن يعذبوا بعذاب سوى العذاب الذي ذكر بالنار والتلظي.
وعندنا : هم في مشيئة الله ـ تعالى ـ إن شاء عذبهم وإن شاء تجاوز عنهم ، وخلى عنهم سبيلهم ، وأما النار التي ذكر بصفة التلظي فهي للكفار (٤) ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) :
__________________
(١) في أ : مذهبه.
(٢) في ب : بإنكارهم.
(٣) في ب : لأنه.
(٤) في ب : الكفار.