الهدى ، الذي هو ضد الكفر ومقابله.
فأما على إرادة البيان ؛ فكأنه قال : إن علينا غاية البيان في حق الحكمة والعدل فيما يمتحنون ، حتى إن كان التقصير والتفريط فإنما يكون من قبل أنفسهم ، لا من قبل الله تعالى ، أي : يبين لهم كل شيء غاية البيان ونهايته ؛ لتزول الشبهة عنهم ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقول : إن علينا هداية من استهدانا (١) واجتهد في طلبها ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].
ووجه آخر : إن علينا إنجاز ما وعدنا على الهدى لمن اهتدى واختاره يخرج تأويل الآية على إرادة البيان من الوجوه التي ذكرنا.
وأما على إرادة حقيقة الهدى الذي هو مقابل الكفر ؛ فكأنه قال : إن علينا التوفيق والمعونة والعصمة في حق الإحسان والإفضال ، لا على أن ذلك عليه لهم.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «إن علينا بيان ما للآخرة والأولى ؛ كيلا يزول عن قصد الطريق ؛ فيهلك نفسه في كل مضيق».
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) :
فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : يقول ـ والله أعلم : إنكم تعلمون أن لنا الآخرة والأولى ، وليس لما تعبدون من الأصنام والأوثان [لا آخرة ولا أولى](٢) ، فكيف صرفتم عبادتكم عمن له الآخرة والأولى إلى من ليس له [الآخرة والأولى](٣) ، على علم منكم بذلك؟ يسفههم في اختيارهم عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى.
والثاني : يقول ـ والله أعلم ـ : إن لنا الآخرة والأولى ؛ فما بالكم تبخلون بالإنفاق على أنفسكم ، وما يرجع منفعته إليكم ، بما ليس لكم في الحقيقة ، وإنما هو لله تعالى؟! وهذا التأويل صلة قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ..). الآية [الليل : ٨] ، والأول يكون صلة قوله : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) ، أي : نارا تتوقد ، وتتلهب ، أو تتشعب (٤) ، على ما ذكر من صفتها.
ثم ذلك الإنذار يكون للفريقين : لأهل التوحيد ، ولأهل الشرك جميعا ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : استمر.
(٢) في أ : الآخرة والأولى.
(٣) في ب : ذلك.
(٤) في ب : تنبعث.