وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) ، أي : فقيرا فأغناك بما أراك من أمر الآخرة ، وما يسوق إليك من نعيمها ، أي : بما أعد له في الآخرة ، وما وعد له من النعيم والكرامات هانت (١) عليه الدنيا ، حتى ذكر أن الدنيا لم تكن تعدل عنده ـ عليهالسلام ـ جناح بعوضة ؛ ولذلك روى أن الغنى غنى القلب.
ويحتمل أنه جعل فيه حالا بلطفه أغناه ؛ كما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه نهى عن الوصال ، فقيل : أنت تواصل ، يا رسول الله؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «أنا لست كأحدكم ؛ إن ربي يطعمني ويسقيني» ؛ فجائز أن يكون لله ـ عزوجل ـ فيه لطف أغناه به ، وإن لم يطلعنا عليه ، والله أعلم.
وقال بعضهم : أغناك بمال خديجة ، رضي الله عنها.
وقال بعضهم : فأغناك ، أي : فأرضاك بما أعطاك من الرزق ، وأقنعك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) ، وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «فأما اليتيم فلا تكهر» ، فالكهر : الزجر (٢) ، كأنه قال : فلا تزجر.
[و] جائز أن يكون قوله : (فَلا تَقْهَرْ) ، أي : لا تمنع حقه ، وادفع إليه حقه وماله.
أو يكون ذكر هذا ، يقول : كنت يتيما ورأيت حال اليتيم ؛ فلا تقهر اليتيم ؛ فيكون على الصلة لقوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) ، فلا تقهر اليتيم بعد ذلك.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) :
أي : كنت محتاجا فقيرا ، فعرفت محل الفقر والحاجة وشدة حاله ؛ فلا تنهر السائل ـ أي : لا تزجره ـ ولكن أعطه.
وجائز أن يكون الأمر لا على النهي ، ولكن على الأمر بالبر لهؤلاء والإعطاء لهم.
وجائز أن يراد من نفي شيء إثبات ضده ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، أي : خسرت ، وعلى هذا الحديث ، وهو ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا أتاكم السائل فلا تقطعوا عليه مسألته ، حتى يفرغ منها ، ثم ردوا عليه برفق ولين ، إما ببذل يسير ، أو برد جميل ؛ فإنه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جن ؛ يرى كيف صنيعكم فيما خولكم الله تعالى».
وقال قوم : تزويج اليتيم قهره ؛ لما فيه من الاستذلال والإضرار ؛ فلم يجوزوه من غير
__________________
(١) في ب : فهانت.
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٧٥٢١) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦١٢).