واختيار (١) الأيسر والألذ ، ولكنه بفضله ولطفه ثبتك وعصمك ، ولم يكلك على ما طبعت وأنشئت في أصل الخلقة ؛ فعلى ذلك نقول في قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، أي : لو لا أنه هداك ؛ وإلا وجدك ضالا لو لم يهدك ، ففيه أنه هداه ولم يجده ضالا.
والثاني : يقول : ووجدك ضالا لا ضلال كسب واختيار ، ولكن ضلال الخلقة التي أنشئ عليها الخلق ، والضلال بمعنى الجهل ؛ لأن الخلق في ابتداء أحوالهم يكونون جهالا ، لا جهل كسب يذمون عليه ، أو يكون لهم علم يحمدون عليه ، ولكن جهل خلقة وضلال خلقة ؛ لما ليس معهم آلة درك العلم ؛ فلا صنع له في كسب الجهل ، فأما بعد الظفر بآلة العلم يكون الجهل مكتسبا ؛ فيذم عليه ، وكذا العلم ؛ فيترتب عليه الحمد والذم ؛ فعلى هذا يكون قوله ـ تعالى ـ : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، أي : وجدك جاهلا على ما يكون في أصل الخلقة وحالة الصغر فهداك ، أي : علمك ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً ..). [الشورى : ٥٢] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ..). [العنكبوت : ٤٨] ، يذكر أنه لم يكن يدري شيئا حتى أدراه وعلّمه.
والثالث : يقول : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) ، أي : غافلا عن الأنباء المتقدمة وأخبارهم حتى أطلعك الله ـ تعالى ـ على ذلك ، كقوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣].
أو يقول : ووجدك في أمر القرآن أو ما فيه جاهلا غافلا عن علم ذلك ، فأعلمك.
وقال بعضهم (٢) : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) ، أي : وجدك بين قوم ضلال فهداك ، أي : أخرجك من بينهم ما لو لم يخرجك من بين أظهرهم ، لدعوك إلى ما هم عليه ، ويجبرونك على ذلك ، ولم يرضوا منك إلا ذلك ، والله أعلم.
وقال بعضهم : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) من طريق مكة فهداك الطريق.
وقال بعضهم : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) حقيقة الضلال ، فهداك للتوحيد.
لكن هذا وحش من القول ؛ إذ لا يليق به أن ينسب إلى ذلك.
وقال بعضهم : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن النبوة أي : جاهلا ، فهداك للنبوة ، وهو قريب [مما ذكرناه](٣).
__________________
(١) في ب : واختيار.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦١١).
(٣) في ب : بما ذكرنا.