وقال أبو معاذ : كلما كررت المعرفة كان واحدا ، والنكرة على العدد ؛ يقال في الكلام : إن مع الأمير غلاما إن مع الأمير غلاما ، فالأمير واحد ومعه : غلامان ، وإذا قيل : إن مع الأمير الغلام ، إن مع الأمير الغلام ؛ فالأمير واحد والغلام واحد ، وإذا قيل (١) : إن مع أمير غلاما ، إن مع أمير غلاما ، فهما أميران وغلامان ؛ فعلى ذلك ما ذكر هاهنا.
ثم قوله : «يسرين» هو يسر الإسلام والهدى ، ويجوز أن يطلق اسم اليسر على الإسلام والدين ، قال الله ـ تعالى ـ : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل : ٧] ، ويسر آخر : ما وعد لهم من السعة في الدنيا. ويحتمل أن يكونا يسرين : أحدهما : رجاء اليسر ، والآخر وجوده ، فهما يسران : الرجاء ، والوجود.
ويحتمل أن يكون يسرا في الدنيا ، ويسرا في الآخرة.
أو أن يكون توسيعا : [توسع](٢) عليهم الدنيا ، ويسرا ثانيا : ما يفتح لهم الفتوح في الدنيا ، ويسوق إليهم المغانم والسبايا ، والله أعلم.
ثم قالوا في قوله : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، أي : بعد العسر يسر. وأصله أن حرف «مع» إذا أضيف إلى الأوقات والأحوال يقع على اختلاف الأوقات في المكان الواحد ، وإذا أضيف إلى المكان يقع على اختلاف المكان في وقت واحد ، وهاهنا أضيف إلى الوقت ؛ فهو على اختلاف الأوقات واحدا بعد واحد ؛ فإذا قيل : فلان مع فلان في مكان ، فالوقت واحد ، والمكان مختلف متفرق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) :
قال بعضهم (٣) : إذا فرغت من دنياك فانصب لآخرتك ، وهو من النصب ، أي : التعب.
وقال الحسن (٤) : أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في العبادة له ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه نزل ذلك بمكة ، ولم يكن أمر بالغزو والجهاد بمكة ، إلا أن يكون أمر بالجهاد بمكة في أوقات تأتيه في المستقبل ؛ فيكون الحكم لازما عليه في تلك الأوقات ، لا في حال ورود الأمر.
__________________
(١) في ب : قلت.
(٢) سقط في ب.
(٣) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٧٥٤٩) ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن نصر ، وابن أبي حاتم من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦١٧).
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٧٥٤٧).