أحسن تقويم ؛ إذ لم يتمن أحد أن يكون على غير هذا التقويم وعلى غير هذه الصورة التي أنشأه عليها ؛ فالأشبه أن يكون القسم واقعا على قوله : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) ؛ لما فيه وقع الإنكار والتكذيب وهو نار جهنم ؛ فأكد ذلك بالقسم كأنه قال : مع أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، نردهم (١) إلى أسفل السافلين ؛ لكفرهم وعنادهم سوى المؤمنين.
ثم قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) يخرج على وجوه :
أحدها : أحسن صورة يشاهدون ويعاينون ؛ لأن الملائكة لعلهم (٢) أحسن صورة وأحكم تقويما في الخلقة من البشر ، ولكن يرجع إلى سائر الخلائق دونهم ؛ وذلك لأنه خلق البشر على صورة لا يتمنى أحد منهم أن يكون على غير صورة البشر ؛ دل أنه خلقهم على أحسن صورة.
والثاني : على أحسن تقويم ، أي : على أحكم تقويم وأتقنه ؛ لأنه خلقهم (٣) وأنشأهم على هيئة يتهيأ لهم استعمال الأشياء كلها في منافعهم والانتفاع بها بحيل وأسباب علمهم وجعل فيهم ، ومكن لهم ذلك.
ويحتمل (أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ، أي : أحكم وأتقن على الدلالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وألوهيته.
أو جعلهم أهل تمييز ومعرفة ، وبحيث يكون منهم الخيرات وأنواع الطاعات التي يثابون عليها ، وينالون بها الثواب الجزيل ، والكرامة العظيمة ما لا يكون لغيرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [هو يحتمل وجوها :
أحدها : رددناه إلى أسفل السافلين](٤) وهو جهنم ، نرد الكافر إلى جهنم وهي أسفل السافلين ، والمؤمن رددناه إلى الجنة وهي أعلى العليين ، وهو ما استثنى بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) في الجنة.
والثاني : رددناه إلى أسفل ما اختار من الأعمال والأفعال ، وهو [ما اختار](٥) من فعل الشرك والكفر ، ورددنا المؤمن إلى أعلى ما اختار من الأعمال العالية الرفيعة ، [والله أعلم](٦).
__________________
(١) في ب : بردهم.
(٢) في أ : جعلهم.
(٣) في أ : جبلهم.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : من أخبار.
(٦) سقط في ب.