والثالث : ما قاله أهل التأويل : ثم رددناه [إلى](١) أرذل العمر وأسفله (٢) ، [ثم استثنى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ..). إلى آخره](٣) ، أي : يجري عليهم ثواب أعمالهم التي عملوا بها في حال صحتهم وشبابهم ، فأمّا أولئك فإنهم إذا ردوا إلى ما ذكر ، لم يجر لهم ذلك ؛ وهذا التأويل إنما يصح ، أن لو استثنى المحسنين من المؤمنين منهم ، فأما إذا استثنى أهل الإيمان من أهل الكفر فإنه لا يحتمل ، والأول أشبه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) :
إن كان الخطاب [به](٤) لكل إنسان كذب بالدين ، يقول : ما الذي دعاك إلى تكذيبك بالدين؟ وقد عرفت أن الله ـ تعالى ـ أحكم الحاكمين ، لا يفعل إلا ما هو حكمه ، ولو لم يكن يوم الدين كان فعله عبثا باطلا ؛ لأنه أنشأكم ، ثم رباكم إلى أن بلغتم إلى الحال التي بلغتم ، فلو لم يكن بعث ، لكان يخرج فعله عبثا باطلا.
أو يقول : لما سوى بين من اختار ولايته وبين من اختار العداوة في هذه الدنيا ، وفي الحكمة التفريق بينهما ؛ فلا بد من مكان يفرق بينهما هنالك.
وإن كان الخطاب في قوله : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : أي حجة له في تكذيبك بما تخبره من (٥) الدين؟ أي : لا حجة له في ذلك.
أو يقول : ما الذي دعاه إلى تكذيبه بالدين بعد ما عرف أني (٦) أحكم الحاكمين؟!.
ثم اختلف في قوله : (بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) :
قال بعضهم : أحكم القاضين ، أي : أعدلهم.
وقال بعضهم : أحكم الحكماء ، والإفناء بلا بعث فعل السفهاء ، لا فعل الحكماء ، وهو أحكم الحاكمين ، أي : أعدل القاضين في التفريق بين [الأولياء والأعداء](٧) ، وقد اجتمعوا في الدنيا ؛ فلا بد من دار يفرق بينهما فيها ، والله الموفق.
* * *
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : أسفلها.
(٣) في ب : ثم استثنى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : في.
(٦) في ب : أنه.
(٧) في ب : الأعداء والأولياء.