وهذا يدل أن ما يعملون من خير أو شر إنما يعملون لأنفسهم ، ولمنفعة ترجع إليهم ، أو مضرة تندفع عنهم.
والثاني : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بما أكرمهم من الثواب لأعمالهم التي عملوا لأنفسهم ، ورضوا عنه بكرامته التي أكرمهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) هذا منه إفضال وإنعام ؛ حيث ذكر رضاه عنهم ، وإن ذكر العفو والتجاوز كان حقا ، ولكن هذا كما ذكر من لطيف معاملته عباده ؛ حيث سمى ما ادخروا في وقت حاجتهم إليه : قرضا ؛ حيث قال : (... وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ..). [المزمل : ٢٠] ، وسمى بذلهم أنفسهم وأموالهم سرّا ، وما يعملون لأنفسهم ـ جزاء وشكرا ، وأموالهم وأنفسهم في الحقيقة له ، ولكن سمى بالذي ذكرنا ؛ لطفا منه وفضلا ؛ فعلى ذلك ما ذكر من رضاه عنهم به ، وكذلك قوله : (وَرَضُوا عَنْهُ) ذكر رضاهم عنه بفضله ولطفه ، وإلا من هم حتى يذكر منهم الرضا عن الله تعالى؟!.
ثم هو يخرج على وجهين سوى ما ذكرنا :
أحدهما : رضوا عنه بما امتحنهم في الدنيا بالمحن الشديدة العظيمة ، وإن اشتدت تلك ، وثقلت على أنفسهم إذا رأوا إحسان الله ـ تعالى ـ وفضله في الآخرة.
والثاني : رضوا عنه بالنعم التي أكرمهم في الجنة ، (... لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] ، ولا يريدون غيرها ، ولا يملون على ما يملون في الدنيا.
قال أبو عوسجة : (مُنْفَكِّينَ) ، أي : لا يزالون على هذه الحال ، يقول الرجل : ما انفككت أفعل كذا وكذا ، أي : ما زلت أفعل كذا وكذا.
وقال القتبي وأبو عبيد وغيرهما : المنفكين : زائلين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) :
أي : الذي ذكر من الجزاء لمن خشي نقمته ، أو خشي سوء صحبة نعمه ، وأصله أن من اجتنب المعاصي وعمل بالطاعات ، فإنما يفعل ذلك ؛ لخشية ربه ـ تعالى ـ وكل من [كان] أعلم بربه فهو أخشى لربه تعالى ، ومن [كان] أجهل به فهو أجرأ ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (... إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ..). [فاطر : ٢٩].
وقال الحسن : الخشية : هي الخوف اللازم في القلب الدائم فيه ، أو خشي خلافه وكفران نعمه ، والله أعلم ، [والحمد لله رب العالمين](١).
__________________
(١) سقط في ب.