وكذلك (١) ما ذكر من أهل الإيمان ؛ حيث قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) :
فإن كان البرية مأخوذا من البرى ، فهو يرجع إلى الأصناف جميعا ، وإن كان (٢) من البري (٣) ـ وهو التراب ـ فهو يرجع إلى البشر خاصة ؛ فيصير كأنه قال : شر أهل البشر من جنسهم ، وخير أهل الخير من جنسهم ؛ لأنهم صاروا قادة في الهدى والخير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) :
فإن كان العدن هو المقام ، فجميع الجنان عدن ، وجميع الجنان نعيم.
ثم قد قسم الخلق صنفين : صنفا جعله شر البرية ، وصنفا جعله خير البرية ، ثم يكون [من](٤) كل صنف شر من شر ، وخير من خير ، وسوى بين من نشأ على الكفر ، وداوم (٥) عليه في التأبيد والتخليد وبين من أحدث الكفر في آخر عمره ، وكذلك من دام على الإيمان ، ومن أحدث سوى بينهما ، ولم يجعل لما مضى من الكفر والإيمان جزاء ولا عقابا ؛ وذلك ـ والله أعلم ـ هو أن من اعتقد إيمانا إنما يعتقده للأبد (٦) ، وكذلك من يعتقد الكفر ، إنما يعتقده للأبد ، فإذا أحدث الإيمان بعد الكفر اعتقد قبح ما عمل في حال كفره وشره ، وحسن ما أحدث من الإيمان والتوحيد ، وكذلك من أحدث الكفر بعد الإيمان ، اعتقد فساد ما عمل في حال إيمانه ؛ لذلك سوى بين من أحدث ، وبين من دام عليه ، وليس [كمن يذنب](٧) في وقت ، ويتوب في وقت ؛ لأنه ليس يعتقد حسن ذلك ، ولا قبحه في الأبد ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) يحتمل وجهين :
أحدهما : يقول : رضي الله عنهم ، بعملهم الذي عملوا لأنفسهم ، وسعيهم الذي سعوا في الدنيا لهم ؛ رضي سعيهم لهم ، (وَرَضُوا عَنْهُ) ، أي : رضوا هم عنه بما أكرمهم ، ووفقهم للأعمال التي عملوا لأنفسهم في الدنيا ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧] ، أي : إن قبلوا ما أحسن إليهم ، وأحسنوا صحبة إحسانه إليهم يرضى ذلك لهم.
__________________
(١) في ب : ولذلك.
(٢) زاد في ب : جميعا.
(٣) في ب : الثرى.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : ودام.
(٦) في ب : الأبد.
(٧) في ب : لم يتب.