أحدهما : تحذير لهذه الأمة ؛ لئلا (١) يتفرقوا كما تفرق أولئك في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفيما جاء به.
والثاني : يكونون أبدا فزعين إلى الله ـ تعالى ـ في كل وقت ، خائفين منه ، وألا يكلوا إلى البيان الذي جاءهم ؛ فيتفرقوا كما تفرق أولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ).
ظاهر هذا أن يكون تأويل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) ، أي : بعض المشركين في النار ، لا كل المشركين ، ولكن من كفر من المشركين ، كان كمن كفر من أهل الكتاب في نار جهنم ، لكن الكفر هو الشرك ، والشرك هو الكفر ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ..). [النساء : ٤٨] ؛ فدل أن الكفر والشرك واحد ؛ فكل كافر مشرك ؛ فكأنه قال : إن الذين أشركوا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية.
ثم جاء كل هذا التشديد لهؤلاء ؛ لأن أهل الكتاب ادعوا أنهم من نسل الأنبياء ، ثم تركوا اتباعهم ، والمشركون قد (... وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ..). [فاطر : ٤٢] ، [ثم](٢) نقضوا ذلك العهد.
وأهل الكتاب قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ، فتركوا اتباع الصالحين من آبائهم.
والعرب ـ أيضا ـ كانوا أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غيرهم ؛ فحقه عليهم ألزم وأوجب ؛ فشدد على هؤلاء لهذا (٣) المعنى.
ثم إن كان البرية مأخوذا مقدرا من البري وهو التراب ، ويرجع تأويل الآية إلى البشر ؛ كأنه قال : أولئك هم شر ما أنشئ (٤) من الأرض.
وإن كان مأخوذا مقدرا من البرا وهو الخلق ؛ فيصير كأنه قال : أولئك هم شر ما خلقوا ؛ فيدخل (٥) في ذلك الملائكة والجن والبشر ، وفي الأول لا يدخل إلا البشر خاصة.
__________________
(١) في ب : أن لا.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : بهذا.
(٤) في ب : أنشئوا.
(٥) في ب : فدخل.