أو يكون فيه وجه ثالث : إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه ؛ لأنهم : إنما افتخروا بالأموال والأولاد ، وذلك من لطف الله ـ تعالى ـ وجميل (١) صنعه ؛ فيكون في هذا كله ذكرهم بما فيهم من السفه والخرق.
ثم التعيير بذكر هذه الأسباب إنما وقع ـ والله أعلم ـ دون ما هم فيه من الكفر ؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال ؛ فعيرهم الله ـ تعالى ـ بذلك ؛ ليكون فيه تذكير وموعظة للمؤمنين ، ولو خرج ذكر الكفار في هذا ، لكان لا يجتنب المؤمن شيئا من هذه الأفعال.
وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) ، فقال : «يقول ابن آدم : مالي ، [مالي](٢) ، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ...» الخبر ؛ فهذا يدل على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح (٣) بأهل الكفر ؛ لموعظة المسلمين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) يحتمل : حقيقة زيارة الموتى ، وذلك مما يذكرهم أن التكاثر مما لا ينفعهم إذا كان عاقبتهم هذا.
ويحتمل : أي : صرتم إلى المقابر بعد الموت ؛ فحينئذ تذكرون حق الله ـ تعالى ـ ثم لا ينفعكم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، قال بعضهم : كلا ، بمعنى : النفي ، والتعطيل.
وقال بعضهم : معنى قوله : (كَلَّا) ، أي : حقا.
فإن كان على الوجه الأول ، فكأنه قال : ليس كما حسبتم ، وتوهمتم ، وقدرتم عند أنفسكم وتعلمون ذلك إذا نزل بكم العذاب ، وهو على الابتداء.
وإن كان على معنى : حقا ، فكأنه قال : حقا ستعلمون أنه ليس كما قدرتم عند أنفسكم ، وكل ذلك يرجع إلى الوجوه التي وصفنا أنكم (٤) ستعلمون غدا حقا يقينا (٥) : أن الذي ألهاكم ، وشغلكم عن توحيد الله تعالى و (٦) التفكر في حجج رسول الله صلىاللهعليهوسلم والإيمان بالبعث كان عبثا باطلا ، وأنه كان من الواجب عليكم : أن تؤمنوا بالله ورسوله ،
__________________
(١) في أ : وجميع.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : التصريح.
(٤) في ب : لكم أنه.
(٥) في ب : نفيا.
(٦) في ب : أو.