وجهين :
إما أن يكون ذكر الإيمان مفردا ، وأراد به الاكتفاء عن ذكر الجملة ؛ فيكون في ذكر طرف منه ذكر لجملته.
أو يكون في إيجاب الجنة له على مفرد الإيمان ، فالحال فيه موقوفة.
ولأن الله ـ تعالى ـ أوجب الجنة ، ولم ينف إيمانه عمن ينقص عن ذلك ، فالحال فيه موقوفة على كليته (١) ، وإذا كان كذلك لم يقطع القول على إيجاب الجنة لمن أتى بالإيمان مفردا ، أو على إيجاب النار ؛ فيكون السبيل فيه على الرجاء ؛ لأنه لو لم يذكر كان يقع [فيه اليأس](٢) ، وأصل كل عبادة في الدنيا إنما بنيت على الرجاء والخوف ؛ فلذلك كان الأمر على ما وصفنا.
أو نقول بأن الله ـ تعالى ـ أوجب (٣) النار على من أتى بجميع السيئات ، ولم يكن فيه دليل على أن من أتى بالكفر وحده (٤) لا يستوجب به نارا ، فكذلك الله ـ سبحانه وتعالى ـ وإن أوجب الجنة لمن جمع بين هذه الأعمال ؛ فلا يدل على أن من أتى بالإيمان وحده ، لا يستوجب به الجنة.
وعلى أنه يجوز أن يكون استثناء كل من أتى بشيء من هذه الأعمال (٥) بالانفراد ؛ فيكون فيه استثناء كل طائفة من ذلك على حدة ، كأنه (٦) قال : إلا الذين آمنوا وإلا الذين عملوا الصالحات ، وإلا الذين تواصوا بالحق. وإذا كان كذلك لا يكون حجة لهم ، وإذا أريد به الجمع يكون حجة ؛ فجاء التعارض والاحتمال ؛ فوجب التوقف.
ويحتمل أن يراد به الاعتقاد ، أي : إن الإنسان لفي خسر ، إلا من آمن ، واعتقد هذه الأعمال الصالحة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ..). الآية [التوبة : ٥] ، والله أعلم.
* * *
__________________
(١) في أ : دليله.
(٢) في ب : به الناس.
(٣) زاد في ب : على.
(٤) في ب : ولا يستوجب.
(٥) في ب : الأفعال.
(٦) في ب : كانت.