وجهة (١) الاستدلال الوجوه التي ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً).
ذكر أهل التأويل أنه كان قبل ذلك يدخل واحدا واحدا ، فلما كان فتح مكة ، جعلوا يدخلون دينه أفواجا أفواجا ، وقبيلة قبيلة.
ويحتمل ما ذكرنا من سائر الفتوح ، أي : فتوح الأمور التي ذكرنا ، على ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين ، شهرا أمامى ، وشهرا ورائي» (٢).
ثم [فى](٣) قوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) الآية ، نعي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من وجوه ، وقد ذكر في الأخبار : أنه نعى إليه نفسه بهذه السورة.
أحدها : ما ذكرنا من جهة الاستدلال عرف أنه قد دنا أجله ؛ حيث أتم ما أمر به ، وفرغ منه : من التبليغ والدعاء.
والثاني : عرف ذلك اطلاعا من الله تعالى ، أطلعه (٤) عليه بعلامات جعلها له ؛ ففهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لا يدرك أفهامنا ذلك.
والثالث : لما كفي مئونة القيام بالتبليغ بنفسه بدخول الناس في الدين جماعة جماعة ، وكان قبل ذلك يقوم بنفسه ، عرف بذلك حضور أجله ، وهو نوع من الدلالة.
ووجه الدلالة : أن القوم لما دخلوا في دين الله فوجا فوجا ؛ دل ذلك على ظهور الإسلام وكثرة أهله ؛ فكانت الغلبة والنصر دليل الأمن من الزوال عما هم عليه من الدين إذا زال الرسول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، قال بعض أهل التأويل : أي : صل بأمر ربك ، وأصله : ما ذكرنا فيما تقدم : أن التسبيح هو التنزيه ، والتبرئة عن جميع معاني الخلق ، والوصف بما يليق به ، قال : نزهه وبرئه بالثناء عليه ، وصفه بالصفات العلى ، وسمه بالأسماء الحسنى التي علمك ربك.
ويحتمل أن يكون معنى قوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، أي : قل : «سبحان الله وبحمده» على ما جاء في الأخبار أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يكثر في دعائه «سبحان الله وبحمده ، وأستغفر
__________________
(١) في ب : وبجهة.
(٢) أخرجه البخاري (١٣ / ٣٦١) كتاب الاعتصام ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بجوامع الكلم» عن أبي هريرة بنحوه.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : أطلعت.