أفعال لمكان ما يقع بها ، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم ؛ فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه ، وهو التمكين [والله الموفق والمعين](١).
وفي هذا تعلق بعض من يقول [بأن القوة](٢) تسبق الفعل : أنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر من لا يقوى عليه؟.
والجواب من وجهين :
أحدهما : أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل ، وهو الآلات السليمة والقدر تحدث تباعا على حدوث الأفعال ، وتحدث لما يختار هو ؛ فصارت القدرة في كونها لما يختار ؛ ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل ؛ فيتعوذ منه ؛ لعلمه أن الذي به كأنه في يده.
والثاني : أن قد جرت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف : كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة ؛ ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة ، على ما بينهم من بعد الأمكنة وطول المدد ؛ لإمكان الوصول بما اعتيد (٣) منهم بلوغ أمثال ذلك ، وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة ، لا تبقى في مثل هذه المدة ؛ فعلى ذلك الأمر الأول :
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) ، اختلف فيه :
قيل : الغاسق : هو الليل المظلم : والغسق الظلمة.
وقيل : سمي الليل : غاسقا ؛ لأن الغاسق : البارد ، قال الله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً. جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٤ ـ ٢٦] ، والليل أبرد من النهار ؛ لذلك سمي : غاسقا.
والأصل في هذا : أن الذي ذكر لا يكون منه ضرر يتعوذ منه ، لكنه يرجع إلى من كان في ظلمة الليل ، أو في نور القمر من الذي يأتي منه المضار ، ومعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل ، ومنها في الليالي لا يمكن إلا بنور القمر ؛ فأمر بالتعوذ مما يكون فيها ، لا أن يكون منها ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] ؛ لما يقع به الإبصار ؛ لا أنه يقع منه ذلك.
وهذا ـ والله أعلم ـ ليس على تخصيص الليل بذلك ؛ لأنه ليس له فعل الضر ، لكن قد يعرض به الإمكان من الشر ؛ لما المعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة
__________________
(١) في أ : والمستعان.
(٢) في أ : بالقوة.
(٣) في أ : اعتقد.