الليل ، ومنها في الليل لا يمكن إلا بنور القمر ؛ فأمر بالتعوذ منه عما يتحقق فيه ؛ فعلى ذلك يجوز التعوذ من شر النهار ، على تأويل ما يقع به من التمكين من الشر ، ويوجد فيه ، والله أعلم.
وقوله : (إِذا وَقَبَ) اختلفوا في معنى (وَقَبَ) : قيل (١) : إذا جاء ودخل.
وقيل (٢) : ذهب.
وقيل (٣) : معناه : القمر إذا خسف ، أمر بالاستعاذة من ذلك ؛ إذ هو علم من أعلام الساعة ؛ لهذا قال : (إِذا وَقَبَ) ؛ إذ القمر لا يخسف إلا في الليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) :
فهذا تعوذ من شرهم بحسب سببه ، لكنه في الحقيقة فعل لهم ، وفي الأول يقع سببه بلا صنع لهم ، فكأنه في الجملة أمر بالتعوذ من كل سبب خيف تولد الشر منه ، فعلا كان ذلك له أو لم يكن ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣] ، وقد يكون للشيطان فعل في الحقيقة ، ولا يكون للحياة الدنيا فعل ؛ فوقع النهي عن الاغترار بهما ؛ فعلى ذلك التعوذ من شر الأمرين وإن لم يكن لأحدهما فعل بما يقع فيه.
وجائز أن يكون من هذا الوجه في الملائكة محنة في الدفع والحفظ ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] ، قيل فيه : أي : بأمر (٤) الله يقع حفظه ؛ فجائز أن يكون في هذه الأمور الخفية ، وأنواع المضار من حيث لا يعلم إلا بعد جهد يقع الحفظ بالله ـ تعالى ـ على استعمال الملائكة.
وعلى ذلك يجوز أن يكون أمر سلامة المطاعم والمشارب والمنافع التي للبشر عن إفساد الجن ، يحفظ ما ذكر ؛ ليكون فيها محنة للملائكة ، على ما كان مكان وسواس الشيطان إيقاظ الملائكة ومعونتهم.
ويحتمل أن يكون الله ـ تعالى ـ لم يمكنهم إفساد ما ذكرنا وإن مكنهم الوسواس ؛ إذ باللطف يمنع من حيث لا يعلم.
__________________
(١) قاله محمد بن كعب أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٣٦٦ ، ٣٨٣٦٧).
(٢) قاله عطية أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٧١٨).
(٣) أخرجه ابن جرير (٣٨٣٧٧ ، ٣٨٣٧٨) ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه كما في الدر المنثور (٦ / ٧١٨).
(٤) في ب : بأوامر.