الله ـ تعالى ـ أعطاه جميع ما يقع به الامتناع حتى لا يبقى عنده مزيد ، أو لا يعطيه جميع ذلك ، بل بقي عنده شيء منه.
فإن كان قد أعطاه ، فهو بطلب ذلك بالتعوذ والاعتصام بالله ـ تعالى ـ كاتم لما أعطاه ، طالب ما ليس عند الله ـ تعالى ـ فيكون الأمر بالتعوذ محنة وأمرا بما به كتمان ذلك ، وذلك حين استوفاه يكون إنكاره ستر نعم (١) الله ـ تعالى ـ وقد تبرأ عن الأمر بالفحشاء والمنكر ، وبين أن ذلك عمل الشيطان.
ثم في المحنة بهذا محنة بالاستهزاء بالله تعالى ؛ لأنه يطلب منه ما يعلم أنه (٢) لا يملكه ، ولا يجده عند نفسه ، وذلك من علم الهزء عند ذوي العقول ، فمن ظن أن الله ـ تعالى ـ يمتحن عباده ويأمرهم بشيء مما ذكرنا ، فهو جاهل بالله ـ تعالى ـ وبحكمته وإن لم يكن الله تعالى [يمتحن عباده ، ويأمرهم بشيء مما ذكرنا ؛ فهو جاهل](٣) [بما] أعطاه وعنده بعد ذلك.
ثم كان من مذهبهم أنه ليس لله ـ تعالى ـ أن يمتحنهم بفعل إلا بعد إيتاء جميع ما عنده مما به قوامه ووجوده ؛ ففي ذلك اعتراف بلزوم المحنة وتوجه التكليف قبل إيتاء جميع ما عنده مما به الوصول إلى ما أمر به ، وذلك ترك مذهبهم مع ما كان عندهم أنه لو كان عند الله ـ تعالى ـ أمر ومعنى ، لا يقع فعل المختار ؛ لأجل أنه لا يعطيه ذلك ـ لم يكن له أن يمتحنه ، وهو بالامتحان جائر.
وإما أن سألوه بفعل قد أمر به ، وإن لم يكن أعطاه ذلك ، وهم ما وصفوا الله ـ تعالى ـ بمثل ذلك أو بفعل يتلو وقت الأمر ذلك ؛ فيكون إعطاء ذلك وقت الأمر ؛ فكأنه ظن أن ي] أمر ولا يعطي حتى يسأل ، وذلك حرف الجور.
ثم الأصل الذي اطمأن به قلوب الذين يعرفون الله ـ تعالى ـ أنه متى هدى الهداية التي يسأل أو عصم العصمة التي يطلب ، أو وفق لما يرجو من الفعل ، أو أعانه عند ما يخاف أنه كان ذلك لا محالة ، وتحقق بلا شبهة ، ويأمن لديه من الزيغ والضلال ، وعلى ذلك جبلوا (٤) مما لا نجد غير معتزلي إلا وقد اطمأن قلبه به ، حتى يعلم أن هذا منه وقع المجبول عليه بالتقليد ، ولا قوة إلا بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ) ، ولم يقل :
__________________
(١) في ب : نعمة.
(٢) في ب : لأنه.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : حلوا.