«أعوذ برب الخلق» ، وهذا أعم من الأول ، وإضافة كلية الأشياء إليه ، أو إضافته إلى الكل بالربوبية من باب التعظيم لله ـ تعالى ـ فما (١) كان أعم فهو أقرب في التعظيم ، فهذا ـ والله أعلم ـ يخرج على أوجه :
أحدها : أراد التعريف ، وبهذا يقع الكفاية في معرفة من يفزع إليه ممن يملك ذلك ، ليعوذ منه ، لكنه ذكر (بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : ١] في موضع ، و (بالله) في موضع ، و (بك) في موضع ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) [المؤمنون : ٩٧] ، وقال : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [غافر : ٥٦] ؛ ليعلم به من سعة الأمر وتحقيق الفزع ، والرجوع إلى الله ـ تعالى ـ عند نزول ما ينزل بالمرء مما يخاف على نفسه ، ويشغل (٢) قلبه ـ أن له ذكر ما يحضره من أسماء الله ـ تعالى ـ أي اسم كان ؛ إذ ما من اسم إلا وفيه دلالة على نعمه وسلطانه وقدرته وعظمته ؛ ليكون في ذلك توجيه الملك إليه وإخلاص الحمد له بإضافة النعم ؛ فيكون ذلك من بعض ما به التشفع إلى الله ـ تعالى ـ من ذكر قدرته وإحسانه ، وأرفع ذلك في ذكر الناس بالإضافة إليه.
والثاني : أن الذين عرف فيهم الأرباب والملوك والعبادات لمن دون الله ـ تعالى ـ هم الإنس دون غيرهم ؛ فأمر أهل الكرامة بمعرفة الله ـ تعالى ـ والعصمة عن عبادة غيره ، والاعتراف بالملك والربوبية [له](٣) ـ : أن يفزعوا إليه عما ذكر ، ذاكرين لذلك ، واصفين بأنه الرب لهم ، والملك عليهم ، والمستحق للعبادة لا غير.
أو لما كان للوجوه التي ذكرنا ضل القوم من اتخاذهم (٤) أربابا دون الله تعالى.
أو نزولهم على رأي ملوكهم في الحل والحرمة ، وفي البسط والقبض.
أو عبادتهم غير الله ـ تعالى ـ وفزعهم إليه ؛ فأمر الله ـ تعالى ـ أهل الكرامة بما ذكرت الفزع إلى الذي يذكر بهذه الأوصاف على الحقيقة على نحو فزع الضالين إلى أربابهم وملوكهم والذين عبدوهم دونه ؛ إذ إليه مفزع الكفرة ـ أيضا ـ عند الإياس عمن اتخذوهم دون الله ؛ لنصرتهم ومعونتهم ، والله أعلم.
والثالث : أن المقصود من خلق هذا العالم هم الذين نزلت فيهم هذه السورة ، وغيرهم
__________________
(١) في ب : مما.
(٢) في ب : ويشتغل.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : إيجادهم.