كالمجعول المسخر لهم ، قال الله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] ، وقال : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ...). الآية [الجاثية : ١٢] ، وقال الله ـ تعالى ـ : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ...). الآية [البقرة : ٢٢] ، فإذا قيل : (بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ) ، فكأنه قيل : «برب كل شيء» ، لأن ما سواهم جعل لهم ، وذكر الخلق والتوجيه إليه في الاستعاذة والاستعانة هو اعتراف بألا يملك غيره ذلك ؛ فاستوى الأمران ، والله أعلم.
وقيل في (بِرَبِّ النَّاسِ) : مصلح الناس ، وذلك يرجع إلى أن به صلاحهم في الدين وفي النفس.
وقيل : ملك الناس ؛ على الإخبار بأن الملك له فيهم جميعا ، وفي الخلق مما لم يذكر فيه جهة الملك ؛ فبين أن ذلك كله في التحقيق لله ـ تعالى ـ وملكه ، ولغيره يكون من جهته على ما أعطي لهم بقدر ما احتاجوا إليه.
وقيل : سيدهم ، لكن لفظة «السيد» لا تذكر لمالك غير الناس ، ويوصف بالرب والملك والمالك على الإضافة لا مطلقا ، يقال : رب الدار ، ومالك الجارية ، وملك المصر (١) ، ونحو ذلك ، فكأنه أقرب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) :
سمى الذي يوسوس بأنه وسواس وخناس ، وقيل في تأويله من وجهين :
أحدهما (٢) : أنه يوسوس لدى (٣) الغفلة ، ويخنس عند ذكر الله تعالى ، أي : يخرج ويذهب.
وقيل : يخنس : لا يرى ، ولا يظهر ، كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧] ؛ ولهذا قيل في الجواري الكنس (٤) : إنهن يطلعن من مطالعهن ، ويخنسن بالنهار ، أي : يختفين.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) صير الموسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
وقيل ـ أيضا ـ : على التقديم والتأخير ، معناه : قل أعوذ برب الناس من الجنة والناس
__________________
(١) في ب : مصر.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٨٣٨٩ ، ٣٨٣٩٠) ، وابن أبي الدنيا ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي ، والضياء في المختارة عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٧٢٢) وهو قول مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد أيضا.
(٣) في ب : لذي.
(٤) في ب : الخنس.