رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٣] ، فإذا سمى ما ذكره الله تعالى رزقا : أجرا ، لم يكن أجرا وكان بحق الرزق والكسوة ؛ فلذلك لم تجز الإجارة في صلب النكاح ، والله أعلم.
ثم قوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).
دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها ، ولو لا ذلك ، لم يكن لها أن تأخذ الأجر على لبن ليس لها فيها ملك ، وفيه دليل على أن حق الإرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات ، ولو لا ذلك لكان لها بعض الأجر دون الكل ، فلما أمر بإيتاء كل الأجر ، ثبت أن حق الإرضاع على الأزواج وعلى الزوجات الكفالة والإمساك ، والله أعلم.
ولأجل أنا لو جعلنا اللبن ملكا للولد مخلوقا له ، وجعلنا النفقة على الأم من مال نفسها ، لكانت نفقتها تفنى ولا يتهيأ لها كسب النفقة ؛ لاشتغالها بالإرضاع ؛ فتجوع وتهلك ويذهب لبنها ؛ فيبطل الإرضاع ؛ فإذا كان (١) إيجاب الإرضاع عليها يسقط من حيث يراد جعل النفقة ، فأسقطنا عنها ، وجعلنا ملك اللبن [لها] ؛ لتأخذ الأجر عليه ، والله أعلم.
وفي هذه الآية دلالة على أن الأجر إنما يجب بعد استيفاء المنافع ، فإنه قال : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) إنما أوجب الإيتاء بعد الإرضاع.
وفي قوله : (أُجُورَهُنَ) دلالة على أن الإرضاع إنما هو بإجارة قد سبقت ؛ لذلك قال أصحابنا : إن الأجرة إنما تجب عند استيفاء العمل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) ، له وجهان :
أحدهما : أن يقول : (وَأْتَمِرُوا) يعني : تشاوروا في إرضاعه إذا تعاسرت هي.
والثاني : (وَأْتَمِرُوا) أي : اعملوا بأمر من جعل الله تعالى إليه الأمر بالمعروف ، وهو الحاكم ، إذا أمركم في أمر الولد بالمعروف.
وقوله : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى).
يعني : إذا تنازعتم في الرضاع ، وأبت الأم أن ترضعه ، فاطلبوا أخرى ترضعه عندها.
وقوله : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ).
أي : من وسع الله عليه في الرزق ، فلينفق نفقة واسعة ، (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) ، يعني : ضيق عليه و (قُدِرَ) هاهنا بمعنى : ضيق [عليه](٢) ، وهو كما قال : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)
__________________
(١) في أ : وإذا كانت.
(٢) سقط في ب.