جعلهم أتقياء أذكياء علماء بعد ما كانوا أميين جهالا سفهاء ؛ آية ودلالة على حقية دينه ـ عليهالسلام ـ على سائر الأديان ؛ حيث لم يكن أهلها كذلك ، ويكون فيه ترغيب للآخرين ؛ ليصيروا علماء حكماء.
وقوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ).
يجوز أن يكون هذا تعليما من الله تعالى ؛ فيجعلهم علماء بعد ما كانوا سفهاء ، وأذكياء بعد ما كانوا أنجاسا وأقذارا عبدة الأوثان ، وذلك من لطف الله تعالى بهم ؛ لأن ما أضيف من هذه الأفعال إلى الله تعالى ، فهو على حقيقة الوجود ، وما أضيف إلى الرسول فهو على الأسباب ، وذلك أنه لا يجوز أن يعلم الله تعالى أحدا فلا يصير عالما ؛ لأن تعليمه خلق العلم في المحل الذي أراد ، وما أراد وخلق يكون لا محالة ، فأما [الرسول] فيجوز أن يعلم البشر فلا يتعلم ؛ لأن تعليمه بسبب ؛ لأنه ليس له قدرة الخلق والإيجاد ؛ فثبت أنه على جهة السبب ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ).
فإن كان معناه الخفض ، فهو منسوق على قوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) ومن آخرين لم يلحقوا بهم ؛ فيكون فيه إخبار أن رسالته تبقى إلى آخر الدهر.
وإن كان معناه النصب فهو منسوق على قوله : (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ، فيكون فيه بشارة أنه يكون في الآخرين علماء أتقياء حكماء كما كان في هؤلاء.
وقال بعضهم : يحتمل أن يكون هذا في أهل النفاق ؛ فيكون معناه : فهو الذي بعث في الأميين رسولا فيصيرون علماء حكماء مؤمنين على الحقيقة في الظاهر والباطن ، وآخرين من هؤلاء الأميين في الظاهر لما يلحقوا بهم في الباطن ؛ والتأويل الأول أصح وأقرب.
وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ) حيث جعل في كل واحد من البشر أثر الذل به والفقر إليه.
وقوله : (الْحَكِيمُ).
في أمره حيث أمرهم بالحكمة.
أو الحكيم في تدبيره ؛ حيث جعل في كل مخلوقاته ما يشهد بوحدانيته وتدبيره فيه.
أو هو الحكيم في تقديره ؛ حيث خلق الأشياء المتضادة من نحو النور والظلمة والليل والنهار ؛ لأنه وضع كل شيء موضعه ، لم يخلط ظلمة بنور ولا نورا بظلمة ، ولا ليلا بنهار ولا نهارا بليل.
وقوله : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) :