الفعل ، وإنما المحرم ترك تعظيم الله تعالى الواجب بسبب اليمين ، وهذا لا يعد تحريم الحلال وتحليل الحرام.
أو أريد بالتحريم منع النفس عن ذلك مع اعتقاده بكونه حلالا ، لا أن يكون قصد به قصد تحريم عينه ، وقد يمتنع المرء عن تناول الحلال ؛ لغرض له في ذلك ؛ وهو كقوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) [القصص : ١٢] ، ولم يرد به تحريم عينه ، ولا التحريم الشرعي ؛ إذ الصبي ليس من أهله ، وإنما أريد به امتناعه من الارتضاع إلا من ثدي أمه ، [فعلى ذلك](١) هاهنا ، والله أعلم.
والثاني : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ندب إلى حسن العشرة مع أزواجه ، وإلى الشفقة عليهن ، والرحمة [بهن ، فبلغ](٢) في حسن [العشرة والصحبة](٣) معهن مبلغا امتنع عن الانتفاع بما أحل الله له ، وأباح له التلذذ به ؛ يبتغي به حسن عشرتهن ، ويطلب به مرضاتهن ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) ، أي : لا يبلغنّ بك الشفقة عليهن وحسن العشرة معهن مبلغا تمتنع عن الانتفاع بما أحل الله لك ؛ فيخرج هذا مخرج تخفيف المؤنة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حسن العشرة معهن ، لا مخرج النهي والعتاب عن الزلة ؛ وهو كقوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] تخفيفا للأمر عليه ، وكذلك قال : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] ليس في الحقيقة نهيا عن السخاء على النهاية ، لكن تخفيفا للأمر عليه : أن ليس عليك الإسراف في السخاء والنهاية في ذلك ؛ بحيث لم تبق لنفسك وعيالك شيئا وتؤثر غيرك ؛ فعلى ذلك قوله : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) خارج مخرج تخفيف المؤنة عليه في حسن العشرة ، لا مخرج النهي ، والله أعلم.
ثم اختلف أهل التأويل في سبب التحريم :
فمنهم من ذكر أن حفصة ـ رضي الله عنها ـ زارت أهلها ، والنبي ـ عليهالسلام ـ في بيت حفصة ، فجاءت أم إبراهيم مارية القبطية حتى دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فواقعها ، فجاءت حفصة ، وهما نائمان فرجعت إلى بيت أهلها ، فمكثت عامة الليل (٤) ... القصة ، وقالت حفصة في آخر هذا الخبر : ما رأيت لي حرمة ، وما عرفت لي حقّا ، فقال لها النبي ـ عليهالسلام ـ : «اكتمي عليّ ، وهي عليّ حرام» ، فنزلت هذه الآية (٥).
__________________
(١) في ب : فكذلك.
(٢) في ب : بهن ، فقال : فبلغ.
(٣) في ب : الصحبة والعشرة.
(٤) في ب : الليلة.
(٥) أخرجه ابن جرير (٣٤٣٩٢) وابن سعد وابن مردويه عن ابن عباس كما في الدر المنثور (٦ / ٣٦٧).