ومنهم من يذكر : أن ذلك اليوم كان يوم عائشة ـ رضي الله عنها ـ فاطلعت حفصة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجاريته مارية ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تكتم عليه ، فأخبرت حفصة بما رأت عائشة ـ رضي الله عنها ـ فغضبت عائشة ، فلم تزل بنبي الله حتى حرمها ، [فأنزل الله تعالى](١) هذه الآية (٢).
وقال عكرمة : نزلت الآية في امرأة يقال لها : أم شريك وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فلم يقبلها النبي ـ عليهالسلام ـ طلبا مرضاة أزواجه ؛ فنزلت الآية ، والله أعلم.
ومنهم من قال : إن الذي حرمه النبي صلىاللهعليهوسلم كان عسلا ، كان رسول الله ـ عليهالسلام ـ شربه عند بعض نسائه ، فقالت امرأة من نسائه لصاحبتها : إذا جاءك النبي صلىاللهعليهوسلم فقولي (٣) له : ما ريح المغافير فيك؟ فقالت للنبي ؛ فحرمه النبي ـ عليهالسلام ـ فنزلت هذه الآية.
وليس لنا إلى تعرف السبب الذي وقع التحريم به ، ولا إلى تعيين الشيء الذي حرمه النبي ـ عليهالسلام ـ حاجة ، ولكنا نعلم أن الأمر الذي كان فهو جرى بينه وبين زوجاته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أي : غفور لما تقدم من ذنبك وما تأخر لو كان.
أو يكون رحيما ؛ حيث لم يعاقبك بما اجترأت من الإقدام على اليمين ؛ لا بإذن سبق من الله تعالى لك فيه.
أو غفور رحيم عليك وعلى زوجتيك إن تابتا ولم تعودا إلى صنيعهما.
أو غفور رحيم بما خفف عليك من مئونة العشرة ، ولم يحمل عليك ما حملت على نفسك.
وقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ).
فمنهم من يحمل هذا على ابتداء الخطاب ، ويصرف المراد إلى غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [قد كان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر](٤) ؛ بحكم وعد الله ـ تعالى ـ فلم يكن يحتاج إلى التكفير ؛ لإزالة المأثم.
ولكن نحن نقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن كان هذا محله ، فهو وأمته في أحكام الشرائع مأخوذون ، ويكون على هذا مغفرة زلاته : ما تقدم وما تأخر بمباشرة أسبابها من التوبة والكفارة ، ونحو ذلك ؛ فيكون قوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) منصرفا إلى
__________________
(١) في أ : فنزلت.
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٤٣٨٩) عن الضحاك.
(٣) في أ : فقربي.
(٤) في ب : قد تقدم غفران ذنوبه.