النبي ـ عليهالسلام ـ وأمته.
ثم يجوز أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم قصد إلى التحريم أعني : منع نفسه عن الانتفاع بها مع اعتقاد الحل لا إلى اليمين ؛ فجعل الله تعالى ذلك منه يمينا ؛ فيكون فيه دلالة على أن التحريم يمين ؛ ولهذا قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : إن من قال لامرأته : «أنت عليّ حرام» ، ولا نية له ، فهو يمين.
وجائز أن يكون أفصح بالحلف ؛ فكنى عنه باليمين.
ثم قوله : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) على قراءة (١) العامة ، وفي بعض القراءات : قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم.
ووجه الفرض فيه : أن الأمم من قبل ، لم تكن يؤذن لهم بالحنث (٢) في اليمين ، ولا أن يحلوا منها بالكفارة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص : ٤٤] ، فلم يأذن له بالحنث وأباح له الضرب ، ثم أباح لهذه الأمة حل اليمين بالحنث والكفارة ، فنسب الحل إلى الكفارة ، ومرة إلى انحلالها بنفسها من جهة الحنث.
ثم قوله : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ) أي : وسع عليكم ، وأحل لكم تحلة اليمين ؛ ففي هذا أن كل ما ذكر فيه (كتب لكم) ، أو : (فرض لكم) ، فهو في موضع الإباحة والتوسيع ، وما ذكر فيه (عَلَيْكُمُ) فهو على الإيجاب والإلزام ؛ قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] ، وقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [البقرة : ١٨٠] ، وذلك كله في موضع الوجوب ، وقال الله تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٢١] معناه : أباح لكم الدخول فيها.
وقوله تعالى : (وَاللهُ مَوْلاكُمْ).
أي : أولى بكم فيما امتحنكم من الكفارة وغيرها.
أو (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) ، أي : أولى بكم في نصركم والدفع عنكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
أي : (الْعَلِيمُ) بمصالحكم أو مقاصدكم ، أو بما تسرون وما تعلنون ، أو بما كان ويكون ، (الْحَكِيمُ) : هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، أو حكيم بما حكم عليكم من تحلة الأيمان ، والله أعلم.
ثم في قوله : (الْعَلِيمُ) إلزام المراقبة والمحافظة ، ودعاء [إلى التبصر](٣) والتيقظ في
__________________
(١) في ب : القراءة.
(٢) في ب : في الحنث.
(٣) في أ : للتبصر.