كل ما يتعاطاه المرء من الأفعال ، ويأتي به من الأقوال.
وفي قوله : (الْحَكِيمُ) دعاء إلى التسليم بحكم الله تعالى ؛ إذ الحكيم لا يحكم على أحد إلا بما فيه حكمة وفائدة ؛ فلزمه تسليم النفس لحكمه (١) على وجه الحكمة فيه أو جهله.
ثم الأصل بعد هذا : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبيح له نكاح التسع ، وأمر بأن يحسن صحبتهن ويبتغي مرضاتهن ، والمرء يعسر عليه صحبة الأربع بحسن العشرة ، ويتعذر عليه القسم والقيام بمرضاتهن (٢) جميعا ، فكيف إذا امتحن بصحبة التسع؟! فكانت المحنة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمر النساء أعسر منه على غيره ، وأمر مع هذا أيضا بمعاملة الخلق مع اختلاف هممهم وأطوارهم بأحسن المعاملة ، ولكن الله تعالى لما امتحنه بما ذكرنا آتاه من الأخلاق الحميدة والشمائل المرضية (٣) ما خف بها عليه هذه المحنة ، وسهل عليه المعاملة مع الجملة ، وآتاه من القوة ما ملك بها حفظ حقوقهن وإرضاء جملتهن ، حتى بلغ في حسن العشرة وابتغاء المرضاة ما عوتب عليه ، وبلغ من جهده في الإسلام إلى أن قيل : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [عبس : ١] ، وبلغ في الشفقة والرحمة على الأمة إلى أن قيل له : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ، وقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤] ، وكان من عظيم خلقه ما جاوز خلقه قوة نفسه ، فكادت نفسه تهلك فيه.
ثم في قيامه ـ عليهالسلام ـ بما يوفي حقوق التسع ويرضيهن دلالة نبوته ورسالته ؛ لأن الناس إنما يقوون على الجماع بما يصيبون من فضل الأطعمة والأغذية ، ثم هم مع أصابتهم فضول الأطعمة والأشياء اللذيذة يفترون عن إيفاء [حقوق الأربع](٤) ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم آثر الزهد في الدنيا ، وقلت رغبته في مطاعمها ومشاربها ، وكان مع ذلك يفي بحقوقهن ، فعلم بهذا أنه إنما وصل إلى ما ذكرنا بما قواه الله ـ تعالى ـ عليه وأقدره ، لا بالحيل والأسباب ، ثم أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم امتحنّ بالقيام بوفاء حق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأن ينظرن إليه بعين التبجيل والتعظيم ، فكانت المحنة عليهن أشد من المحنة على غيرهن من النساء مع أزواجهن ؛ لأن المرأة قلما تسلم عن رفع أصواتها على صوت زوجها ، إذا لم يكن له امرأة سواها ، فكيف إذا كانت معها أخرى ، ثم هن لو رفعن أصواتهن على صوت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوجب ذلك إحباط عملهن ؛ على ما قال تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ
__________________
(١) في ب : بحكمه.
(٢) في ب : برضائهن.
(٣) في ب : الرضية.
(٤) في أ : حقوقهن.