قد بينا أن كل مسلم مؤمن في التحصيل ؛ لأن معنى [الإسلام والإيمان](١) واحد ؛ إذ الإسلام : هو أن يجعل الأشياء كلها لله خالصة سالمة لا يشرك فيها غيره ، والإيمان : التصديق ، وهو أن يصدق أن الله تعالى رب كل شيء ، وإذا صدقته أنه رب كل شيء فقد جعلت [الأشياء](٢) كلها سالمة له ، أو تصدق [كلّا فيما](٣) يشهد لله تعالى في الربوبية [بجوهره](٤) ، فثبت أن كل واحد منهما يقتضي ما يقتضيه الآخر من المعنى ، فإذا ذكر أحدهما بالإفراد ، ففي ذكره ذكر الآخر ، وإذا جمع في الذكر ، صرف هذا إلى وجه ، وهذا إلى وجه ، وهذا كما ذكرنا في التقوى أنه يقتضي معنى الإحسان إذا ذكر مفردا ؛ لأن التقوى هو أن يتقي من المهالك ، والاتقاء عن المهالك يقع باكتساب المحاسن ، وإذا ذكرا معا صرف التقوى إلى [الاتقاء من الكفر](٥) والإحسان إلى فعل الخيرات ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه» ، وقال : «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» ، فصرف هذا إلى وجه وهذا إلى وجه ، وهما في التحصيل واحد ؛ لأنهم إذا أمنوا بوائقه فقد سلموا من لسانه ويده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قانِتاتٍ).
قيل (٦) : مطيعات.
وقيل : القائمات بالليالي للصلاة ، وهذا أشبه ؛ لأنه ذكر السائحات بعد هذا ، والسائحات الصائمات ، وذكر الصيام بالنهار ، فيكون تأويل القانتات راجعا إلى قيام الليل ؛ ليكون فيه إحياء الليل والنهار بالعبادة (٧) ؛ ولذلك قال جبريل ـ عليهالسلام ـ في وصف حفصة ـ رضي الله عنها ـ : «إنها صوامة قوامة» أي صوامة بالنهار وقوامة بالليل ، وذكر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال ، فقال : «طول القنوت» ، وهو القيام بالليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تائِباتٍ).
هن اللائي لا يصررن على الذنب ، بل يفزعن إلى الله تعالى بالتوبة والتضرع إذا ابتلين بالخطيئة.
وقوله : (عَبَّدْتَ).
__________________
(١) في ب : الإيمان والإسلام.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : كلاهما.
(٤) في ب : نحو هذا.
(٥) في ب : اتقاء الكفر.
(٦) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٣٤٤٢٩) وهو قول عكرمة وابن زيد وأبي مالك أيضا.
(٧) في ب : بالعادة.