ولم يتبعوا آباءهم وأبناءهم فيقول : لا ينفع من دام على الكفر إسلام من أسلم منهم ، وإن كان بينهما قرب من جهة الأبوة والبنوة ؛ لأن رحمة الإنسان وشفقته على زوجته أكثر من شفقته على من ذكرنا ، وكذلك الاتصال ، فإذا لم ينفعهما إسلام زوجيهما ، فكذلك لا ينفع أولئك الذين داموا على الكفر إسلام من أسلم من آبائهم وأبنائهم.
وجائز أن يكون هذا المثل ؛ لمكان أهل النفاق فيما أظهروا موافقة المؤمنين ، وأسروا الخلاف لهم (١) ، فيخبر أنه لا ينفعهم إظهار موافقتهم في الدين إذا كانوا على خلافه في التحقيق ؛ كما لم ينفع زوجتي نوح ولوط ـ عليهماالسلام ـ إظهار الموافقة منهما لزوجيهما إذا كانتا على خلافهما في السر ، والله أعلم.
قال أبو بكر الأصم : في هذه الآية دلالة أن صلاح الصالح لا ينفع للطالح ؛ كما لم (٢) ينفع صلاح نوح ولوط ـ عليهماالسلام ـ للزوجين إذا كانتا في أنفسهما فاسدتين ، وأراد بهذا نفي الشفاعة لأهل الكبائر.
وليس كما ذكر ؛ لأن هذا المثل ضرب للكافرين لا للعصاة ؛ إذ لم يقل : «ضرب الله مثلا للذين عصوا» ، فليس له تعلق (٣) في هذه الآية.
ثم قد نجد صلاح الصالح في الشاهد ينفع الطالح وإن لم ينفع الكافر ؛ لأن المرء قد يكون له زوجة طالحة تمتنع عن كثير من الشرور ؛ لمكان زوجها إذا كان زوجها من أهل الصلاح والبر (٤) ؛ وكذلك الولد ينفعه صلاح والديه في الدنيا ؛ إذ بخشيتهما ينتهي عن كثير من المناهي لصلاحهما ، فقد نفعه صلاح والديه ونفعها صلاح زوجها ، فجائز أن ينفع الطالح أيضا في الآخرة صلاح الصالحين ، وأما الكافر فهو لم يمتنع عن الخلاف لمكان أبويه ولا لمكان أحد من الخلق ؛ فلم ينفعه إسلام أبويه ولا صلاحهما في الدنيا فكذلك لا ينفعه في الآخرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).
أي : فخانتاهما في الدين.
ومنهم من يذكر أن خيانة امرأة نوح هي أن أخبرت قومه بجنون زوجها ، وكانت خيانة
__________________
(١) في ب : له.
(٢) في ب : لا.
(٣) في ب : متعلق.
(٤) في ب : الستر.