يحييها الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ، وكان أهم شيء يدور في أذهانهم ، ويعمى بصائرهم أن العظام البالية أصبحت باردة يابسة لا تقبل الحياة ، والحياة لا بد لها من حرارة فمن الذي يحيى هذه العظام؟
والله يضرب الأمثال لهم بأنه يجعل من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون. والمشاهد أن الرجل يأتى بشجر (السنط) وهو أخضر مورق فيوقد فيه النار فتلتهب. وصدق الله الذي جعل من الشجر الأخضر نارا. وهم يقولون : إن المشهور بذلك شجر المرخ والعفار. كان يتخذ من المرخ الزند الأعلى ومن العفار الزند الأسفل فإذا ما احتكا بشدة أوقدا نارا مع أنهما أخضران يقطران ماء.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أو ليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بقادر على أن يخلق مثل الإنسان في الصغر والضعف بالنسبة لهما؟
بلى ـ نعم ـ وهو جواب من الله تعالى يقرر قدرته على الخلق. وهو الخلاق كثير الخلق. العليم كثير العلم. ومن كان كذلك فلا عجب أن يخلق الإنسان وغيره ، إنما أمره وشأنه إذا أراد إيجاد شيء أن يقول له : كن فهو يكون ، وهل هناك لفظ (كن)؟
ذهب إلى هذا السلف مفوضين أمره وحقيقته إلى علام الغيوب. وقال الجمهور من العلماء : ليس هناك لفظ (كن) وإنما المراد تمثيل لقدرة الله في مراده يأمر الأمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة الحصول من غير امتناع ولا توقف ، وإذا كان الأمر كذلك فسبحان الله الذي بيده الملك التام لكل شيء. وإليه وحده ترجع الخلائق.
وهذا تنزيه لله ـ سبحانه وتعالى ـ عما وصفوه ؛ إذ بيده الملك وهو القادر على كل شيء وإليه يرجع الأمر كله ، فاعبدوه وقدسوه ووحدوه سبحانه وتعالى عما يشركون.