اذكر وقت أن جاء ربه بقلب سليم من كل سوء ومكروه ، جاءه مخلصا صادقا إيمانه ، كأنه جاء بتحفة من عنده لربه ، فاستحق المثوبة والجزاء.
إذ قال في هذه الحالة لأبيه وقومه : ما الذي تعبدونه؟ أنكر عليهم عبادتهم للأصنام ولا غرابة في إنكار إبراهيم هذا بعد قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) فقال : أإفكا آلهة دون الله تريدون (١)؟! أى أتريدون آلهة دون الله لأجل الإفك والكذب على الناس؟ أتتخذون آلهة من دون الله الواحد القهار لأجل الإفك والكذب ..؟
فما ظنكم برب العالمين إذ عبدتم غيره؟ أتظنون أنه يترككم بلا عقاب شديد جزاء على عملكم هذا القبيح؟ : لا ..
وقد كان إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كثير التأمل في ملكوت الله فنظر نظرة تفكر في النجوم : من خلقها؟ وكيف تسير؟ ومن حركها؟ وأين هي في النهار؟ هذا هو نظر إبراهيم للنجوم ليتوصل بذلك إلى إدراك بعض الواجب نحو خالق السماء والنجوم وفاطر السموات والأرض.
فقال لقومه : إنى سقيم ومريض ، ولست مستريحا إلى عبادتكم للأفلاك والنجوم وهذه الأصنام والأوثان ، أما قومه فحين حاجهم إبراهيم تولوا عنه مدبرين ورموه بالإفك والبهتان العظيم ، فقصد آلهتهم في الخفاء ، وراغ إلى أصنامهم قاصدا التعرض لها ليكلموه في شأنها ، ويعلمون بالدليل أنها أحجار وخشب لا تسمع ولا تبصر ، ولا تغنى ولا تنفع.
وقد كانوا يأتون بالطعام إلى آلهتهم لتأكل وتبارك لهم فيه ، ويظهر أن السدنة كانت تأكل بعضه فيظنون أن الآلهة أكلت.
أما إبراهيم فذهب إلى الآلهة وأمامها الأكل فقال : ألا تأكلون!! ما لكم لا تنطقون؟ عجبا لكم أى شيء دهاكم حتى منعكم من الكلام؟ فلما لم يحصل منهم أكل ولا جواب عن سؤال مال عليهم ضاربا ضربا بالقوة والشدة.
__________________
١ ـ في هذه الآية الاستفهام إنكارى ، وقدم المفعول لأجله على المفعول به لأنه أهم ، وقدم المفعول به على الفعل لأن إنكاره ـ أى المفعول ـ هو المقصود.