عذاب الخزي المذل لأولئك المستكبرين المتعاظمين عن اتباع الرسل ، ولعذاب الآخرة بالنسبة لهذا العذاب المبين أشد وأخزى وهم لا ينصرون في الدنيا ولا في الآخرة ، وأما ثمود فقد هداهم ربك إلى الطريقين ، طريق الخير وطريق الشر ، طريق العمى وطريق الهدى ، فاختاروا وآثروا طريق الضلال طريق الكفر واستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب المهين بما كانوا يكسبون ، وقد كانوا قبل ذلك في جنات وعيون وزرع ونخل طلعها هضيم (١) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين (٢) فلما كذبوا وكفروا أهلكهم ربك بالطاغية وهم ينظرون ، وأما الذين آمنوا فالله نجاهم من العذاب بسبب إيمانهم وخوفهم من عذاب الله.
فانظروا يا آل مكة أين أنتم من هؤلاء!
روى أن الملأ من قريش وأبو جهل معهم قالوا : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر ، وعلمت من ذلك علما لا يخفى على إن كان كذلك ، قالوا : ائته فحدثه فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : يا محمد أنت خير أم قصى ابن كلاب؟ أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فيم تشتم آلهتنا ، وتضلل آباءنا وتسفه أحلامنا وتذم ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت ، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أى بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك مالا تستغني به أنت وعقبك من بعدك ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك من أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك. والنبي صلىاللهعليهوسلم ساكت ، فلما فرغ من كلامه قال : (قد فرغت يا أبا الوليد) قال : نعم. (قال فاسمع منى) :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) .. إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فوثب عتبة ووضع يده على فم الرسول ، وناشده الرحم ليسكتن ، ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش ، فجاء أبو جهل فقال له : أصبوت إلى محمد؟ أم أعجبك طعامه؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا. ثم قال : والله لقد تعلمون أنى من
__________________
(١) لين متكسر ، مأخوذ من هضم يهضم.
(٢) أى : حالة كونهم حاذقين ونشطين.