كالسحاب المملوء ، ماء ، وهو في الواقع عذاب شديد ، لما رأوه عارضا يستقبل أوديتهم ، قالوا فرحين : هذا عارض ممطرنا ، بل ـ إضراب انتقالي ـ هو ما استعجلتم به ؛ وما هو؟ قيل : ريح فيها عذاب مؤلم للغاية ، هذه الريح تدمر كل شيء أتت عليه وتهلكه ، تدمره بإذن ربها وأمره ، وهو على كل شيء قدير.
جاءتهم الريح وأرسلها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما لا خير فيها ـ فترى القوم بعدها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ، فهل ترى لهم من باقية؟ فأصبحوا بعد هذا لا يرى من آثارهم إلا مساكنهم (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [سورة النمل آية ٥٢] مثل ذلك الجزاء الصارم نجزى القوم المجرمين ؛ فاحذروا يا آل مكة ما يحل بكم.
وكانت عاد قد أمدها الله بأنعام وبنين ، وجنات وعيون ، وكانوا يبنون بكل ريع (١) آية يعبثون ، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون ، ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ، وأمدهم ربك بما ترى ، وجعل لهم سمعا وأبصارا وقلوبا ، ولكنهم لم يستعملوها فيما خلقت من أجله ، ولم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء لأنهم كانوا بآيات الله ومظاهر الكون التي تدل على وجود الله واتصافه بكل كمال ، كانوا بها يكفرون ، وحاق بهم حينئذ ما كانوا به يستهزئون.
يا آل مكة لقد أهلكنا ما حولكم من القرى ـ كحجر ثمود وقرى قوم لوط وغيرها ـ وكانت أخبارهم ظاهرة عندهم ، وآثارهم يمرون عليها بالليل وبالنهار أفلا تعقلون؟! لقد أهلكنا ما حولكم من القرى بعد أن صرفنا لهم الآيات وبيناها لعلهم يرجعون ، فهل تتذكرون بذلك وتتعظون؟!
فهلا نصرهم عند نزول العذاب بهم الذين اتخذوهم من دون الله آلهة.
بل في الشدائد ضلت عنهم الآلهة ، وغابت فلم تعرفهم لأنها أصنام لا تحس ، وذلك كذبهم الذي كانوا به يتشدقون ، وهذا جزاء ما كانوا به يفترون على الله.
__________________
١ ـ أى : مرتفع من الأرض ، وقيل : هو الطريق.