وأنفسهم ، وكانت الجزية مقدار ما يتحملون من تكاليف الجيش الإسلامى المدافع عنهم ؛ وإن رفضوا دفع الجزية قاتلناهم (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [سورة التوبة آية ٢٩] أى : عن قوة والحال أنهم خاضعون للحكم الإسلامى.
أما مشركو العرب : فقد فرق الإسلام بينهم وبين غيرهم من المشركين فكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو الحرب بينما كان يخير غيرهم في الإسلام أو الجزية أو الحرب ، ولعل السبب في ذلك أنهم وقفوا من المسلمين موقفا شاذّا وعاملوهم معاملة قاسية ، وعملوا جاهدين على إطفاء نور الإسلام وحاربوه حرب إبادة لا هوادة فيها (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) [البقرة ٢١٧] ولا تتحمل الجزيرة العربية دينا يعبد الله ودينا يعبد الأصنام.
فكان القتال معهم منحصرة أسبابه في رد العدوان ، وقطع الفتنة ، وتأمين الدعوة (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [سورة البقرة آية ١٩٣].
ومن هنا نفهم معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله» فالمراد بالناس هم مشركو العرب خاصة.
ونفهم إذا سر التشديد في قتال المشركين ، وأنهم هم المقصودون بالذين كفروا في هذه الآية ، ويكون معناها ما يأتى :
إذا كان الأمر كذلك فإذا لقيتم المشركين في الحروب فاضربوا الرقاب ضربا شديدا وكثيرا ، ولعل إيثار هذه العبارة على قوله : فاقتلوهم ؛ للإشارة إلى أن القتل يجب أن يكون بإطاحة الرءوس وإزاحتها عن البدن ، وبقائه ملقى على صورة منكرة ، وفي هذا تشجيع للمسلمين وأى تشجيع!.
إذا لقيتموهم في المعركة فالواجب بذل الجهد في قتل الأعداء دون أخذهم أسرى حرب لأن ذلك يجعلنا أعزة وهم أذلة حتى إذا أثخناهم في المعركة جرحا وقتلا ، وتم لنا الرجحان عليهم فعلا رجحنا الأسر المعبر عنه في هذه الآية بشد الوثاق لأنه يكون حينئذ من الرحمة الاختيارية ، وتكون الحرب ضرورة تقدر بقدرها ، وليس المراد بها سفك الدماء وحب الانتقام ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة التي أثخنتموهم قتلا وجرحا فيها مخيرون في أمرهم إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أسراهم بلا مقابل ، وإن شئتم