لو يشاء ربك بعد خلقه لجعله هشيما متكسرا لا غلة ولا خير ، كما يحصل الآن ونراه بأعيننا في حقلين متجاورين متفقين في كل شيء أو نفس الحقل الواحد ، ونرى أن هذا النبات يثمر ، وذاك في ليلة واحدة يصبح هشيما لا خير فيه ، وتبارك الله أحسن الخالقين!
لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ، وتتعجبون من سوء الحال والمصير ، أو فظللتم تتلاومون على سوء أفعالكم ، وكل ذلك تفسير باللازم ، والأقرب فظللتم تزيلون التفكه والفكاهة عنكم ، والرجل لا يطرح الفكاهة والمسرة عن نفسه إلا عند الألم والحزن ، أو المراد تتفكهون قائلين : إنا لمغرمون ـ وهذا من باب التهكم ـ بل نحن محرومون من عطاء الله.
أفرأيتم الماء الذي تشربونه؟ أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون؟ نعم هو الله وحده القادر على إنزال المطر ، وإخراج الماء من البحار على هيئة البخار حالة كونه نقيّا صافيا من كل شيء ثم جمعه في السحاب ، ثم إنزاله مطرا يصيب به من يشاء من عباده.
ولو شاء ربك أنزل (١) المطر من السماء ملحا أجاجا لا يصلح للرى ، ولكنه اللطيف الخبير فهلا تشكرون ربكم على ذلك ولا تكفرون! أفرأيتم النار التي تورونها ، وتستخرجونها من الزند أو ثقاب الكبريت ، أو على أى صورة أأنتم أنشأتم شجرها؟ أأنتم خلقتم مادتها؟ أم نحن الخالقون؟ نعم هو ربك وحده الذي خلق فقدر كل ذلك ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نحن جعلنا النار تذكرة لجهنم ، وعبرة لمن يعتبر ، وجعلناها متاعا يتمتع بها الخلق جميعا المقيم والمسافر ، والغنى والفقير ، والحاضر والبادي ، ولا غرابة فالنار أحد العناصر المهمة كالماء والتراب والهواء.
إذ كان الأمر كذلك فسبح باسم ربك العظيم ، ونزهه عن كل نقص. وإذا كان الأمر بتقديس الاسم فما بال المسمى جل شأنه؟!
__________________
١ ـ جواب لو هنا مجرد من اللام ، وفيما قبله مقرون باللام ، والنحويون يجيزون ذلك ، أما لما ذا كان هذا الوضع هنا؟ ففي الحقيقة الله أعلم بأسرار كتابه ، وإن كان الكشاف والآلوسي وغيرهما عللوا عللا عللا ليست قوية في نظري.